للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خروجهما إلى الموفق لما وقع التنازع في خلق القرآن، وكان داود بن علي قد أخذ من النظر ومن الحديث ومن الاختلاف ومن السنن حظا ليس بالمتسع، وكان بسيط اللسان حسن الكلام متمكنا من نفسه، وله أصحاب فيهم دعابة قد تمكنت منهم حتى صارت لبعضهم خلقا يستعمله في النظر لقطع مخالفيه، وكان ربما ناظر داود بن علي الأثبات في المسألة في الفقه فيراه مقصرا في الحديث فينقله إليه، أو يكلمه في الحديث فينقله إلى الفقه، أو إلى الجدل إذا كان خصمه مقصرا فيهما، وكان هو مقصرا في النحو واللغة وإن كان عارفا بقطعة منه، وكان أبو جعفر مليا بما نهض فيه من أيّ علم كان، وكان متوقفا عن الأخلاق التي لا تليق بأهل العلم ولا يؤثرها إلى أن مات، وكان يحبّ الجدّ في جميع أحواله، وجرت مسألة يوما بين داود بن علي وبين أبي جعفر، فوقف الكلام على داود بن علي، فشق ذلك على أصحابه وكلّم رجل من أصحاب داود بن علي أبا جعفر بكلمة مضة، فقام من المجلس وعمل هذا الكتاب، وأخرج منه شيئا بعد شيء إلى أن أخرج منه قطعة نحو مائة ورقة، وكان ابتدأ الكلام فيه بخطبة من غير إملاء، وهو من جيد ما عمله أبو جعفر ومن أحسنه كلاما فيه حملا على اللغط عليه، ثم قطع ذلك بعد ما مات داود بن علي فلم يحصل في أيدي أصحابه من ذلك إلا ما كتبه منه مقدمو أصحابه ولم ينقل. فممن كتب هذا الكتاب منه أبو إسحاق ابن الفضل بن حيان الحلواني، قال أبو بكر ابن كامل وسمعناه منه عنه، وأبو الطيب الجرجاني وأبو علي الحسن بن الحسين بن الصواف وأبو الفضل العباس بن محمد بن المحسن وغيرهم. وقال الرواسي، وكان من مقدمي أصحاب داود بن علي: إن داود قطع كلام ذلك الإنسان الذي كلم أبا جعفر سنة مجازاة له على ما جرى منه على أبي جعفر.

ثم تعرض محمد بن داود بن علي للردّ على أبي جعفر فيما ردّه على أبيه، فتعسّف الكلام على ثلاث مسائل خاصة، وأخذ في سبّ أبي جعفر، وهو كتابه المنسوب إلى الرد على أبي جعفر ابن جرير. قال أبو الحسن ابن المغلس، قال لي أبو بكر ابن داود بن علي: كان في نفسي مما تكلّم به ابن جرير على أبي، فدخلت يوما على أبي بكر ابن أبي حامد، وعنده أبو جعفر، فقال له أبو بكر: هذا أبو بكر محمد بن داود بن علي الأصبهاني، فلما رآني أبو جعفر وعرف مكاني رحّب بي وأخذ يثني على أبي ويمدحه ويصفني بما قطعني عن كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>