والعربية، وشاع ذلك عنه عند أهل العلم فأنكروه، وارتفع الأمر إلى السلطان فأحضره واستتابه بحضرة القراء والفقهاء، فأذعن بالتوبة وكتب محضرا بتوبته، وأثبت جماعة من حضر ذلك المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه، وقيل إنه لم ينزع عن تلك الحروف، وكان يقرأ بها إلى حين وفاته.
قال الخطيب «١» : وقد ذكر حاله أبو طاهر ابن أبي هاشم المقرىء صاحب ابن مجاهد في كتابه الذي سماه «كتاب البيان» فقال: وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أنّ كل ما صحّ عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خطّ المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها، فابتدع بقيله ذلك بدعة ضلّ بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه [في] مزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، إذ جعل لأهل الالحاد في دين الله بسيّء رأيه طريقا من بين يدي «٢» أهل الحق، بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض، وقد كان أبو بكر «٣» شيخنا- نضر الله وجهه- نشله «٤» عن بدعته المضلّة باستتابته منها، وأشهد عليه الحكام والشهود المقبولين عند الحكام بترك ما أوقع نفسه فيه من الضلالة، بعد أن سئل البرهان على صحّة ما ذهب إليه فلم يأت بطائل ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، فاستوهب أبو بكر رضي الله عنه تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه ظنّا منه أن ذلك يكون للناس دينا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما، ولن يعدو ما ضلّ به مجلسه، لأن الله تعالى قد أعلمنا أنه حافظ لكتابه من لفظ الزائغين وشبهات الملحدين بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ
(الحجر: ٩) وقد دخلت عليه شبهة لا تخيل بطولها وفسادها على ذي لبّ، وذلك انه قال: لما كان لخلف بن هشام وأبي عبيد وابن سعدان أن يختاروا، وكان ذلك مباحا لهم غير منكر، كان ذلك [لي] أيضا مباحا غير مستنكر، فلو كان حذا حذوهم وسلك طريقهم كان