قال الثعالبي: أخبرني أبو سعيد ابن دوست قال أخبرني الوليد بن بكر الفقيه ان أبا بكر يحيى بن هذيل الشاعر زار يوما ابن القوطية في ضيعة له بسفح جبل قرطبة كان منفردا فيها عن الناس، فألفاه خارجا منها، فلما رآه ابن القوطية استبشر به، فبادره يحيى بن هذيل ببيت حضره على البديهة فقال:
من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشمس والدنيا له فلك
فتبسم وأجابه مسرعا بقوله:
من منزل يعجب النساك خلوته ... وفيه ستر على الفتّاك إن فتكوا
قال ابن هذيل: فما تمالكت أن قبلت يده إذ كان شيخي وأستاذي. وكان الشعر أقلّ صنائعه لكثرة علومه وغرائبه.
سمع أبو بكر ابن القوطية من قاسم بن أصبغ وابن الأغبس وأبي الوليد الأعرج ومحمد بن عبد الوهاب بن مغيث، وسمع بقرطبة من طاهر بن عبد العزيز، وسمع باشبيلية من محمد بن عبد الله بن الفرق وسعيد بن جابر وحسن بن عبد الله الزبيدي وغيرهم، ولقي أكثر مشايخ عصره بالأندلس فأخذ عنهم وأكثر النقل من فوائدهم، وروى عنه الشيوخ والكهول، وطال عمره فسمع الناس منه طبقة بعد طبقة، ومن تصانيفه كتاب تصاريف الأفعال «١» ، وهو أول مصنف في ذلك. ثم تبعه ابن القطّاع السعدي فوضع كتابه على منواله. كتاب المقصور والممدود، جمع فيه فأوعى فأعجز من بعده عن أن يأتوا بمثله وفاق به من تقدمه. وله شرح أدب الكتاب. وتاريخ الأندلس «٢» ، وغير ذلك.