بضعف ما سألت، وإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير: يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثّر كثّر له ومن قلل قلل عليه، قال الواقدي: وكنت نسيت الحديث، وكان تذكيره لي به أعجب من صلته.
وعن ابن أبي الأزهر قال: حدثني أبو سهل الداري عمن حدثه عن الواقدي قال «١» : كان لي صديقان أحدهما هاشميّ، وكنا كنفس واحدة فنالتني ضيقة شديدة وحضر العيد، فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطّعوا قلبي رحمة لهم لأنهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم وأصلحوا ثيابهم وهم على هذه الحال من الثياب الرثة، فلو احتلت بشيء نصرفه في كسوتهم، قال: فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليّ بما حضر فوجّه إليّ كيسا مختوما ذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراري إذ كتب إليّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي، فوجهت إليه الكيس بحاله، وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلي مستحييا من امرأتي، فلما دخلت عليها وأخبرتها بما فعلت استحسنت ما كان مني ولم تعنفني عليه، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي اصدقني عما فعلته فيما وجهت إليك، فعرفته الخبر على وجهه فقال: إنك وجهت إليّ وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة فوجّه إليّ كيسي بخاتمي، قال الواقدي: فتواسينا الكيس أثلاثا. ونمي الخبر إلى المأمون فدعاني فشرحت له الخبر فأمر لنا بسبعة آلاف دينار لكلّ واحد ألفا دينار، وللمرأة ألف دينار.
وروى ابن سعد عن الواقدي أنه قال «٢» : ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي.