وأربعمائة، وكان يحمل على الكتف للسماع سنة خمس وعشرين وأربعمائة، وأول من سمع منه أبو القاسم [ابن] أصبغ، وتفقه بابن أبي زيد القيرواني وروى عنه رسالته و «مختصر المدونة» ، ورحل سنة ثمان وأربعين وأربعمائة إلى المشرق فحج وسمع بمكة، وقدم مصر فسمع بها من الضراب والقراعي وغيرهما، وكان سمع بالأندلس من الحافظ ابن عبد البر وأبي محمد ابن حزم الظاهري ولازمه وقرأ عليه أكثر مصنفاته وأكثر من الأخذ عنه وشهر بصحبته وكان على مذهبه إلا أنه لم يتظاهر بذلك، وسمع بأفريقية ودمشق، وأقام بواسط مدة ثم رجع إلى بغداد واستوطنها، وروى عن الخطيب البغدادي وكتب عنه أكثر مصنفاته، وروى الخطيب عنه أكثر مصنفاته، وروى عنه الأمير الحافظ الأديب أبو نصر علي بن ماكولا وقال: أخبرنا صديقنا أبو عبد الله الحميدي، وهو من أهل العلم والفضل والتيقظ، لم أر مثله في عفته ونزاهته وورعه وتشاغله بالعلم.
وقال بعض أكابر عصره ممن لقي الأئمة: لم تر عيناي مثل أبي عبد الله الحميدي في فضله ونبله ونزاهته وغزارة علمه وحرصه على نشر العلم وبثه في أهله، وكان ورعا ثقة إماما في علم الحديث وعلله ومعرفة متونه ورواته، محققا في علم الأصول على مذهب أصحاب الحديث، متبحرا في علم الأدب والعربية. وكان يقول: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم الاهتمام بها: العلل وأحسن كتاب صنف فيها كتاب الدارقطني، ومعرفة المؤتلف والمختلف وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الأمير أبي نصر ابن ماكولا، ووفيات الشيوخ وليس فيها كتاب، وقد كنت أردت أن أجمع في ذلك كتابا فقال لي الأمير ابن ماكولا: رتبه على حروف المعجم بعد أن رتبته على السنين، قال أبو بكر ابن طرخان: فشغله عنه الصحيحان إلى أن مات.
توفي ببغداد ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وكان أوصى مظفرا ابن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند قبر بشر الحافي، فخالف وصيته ودفنه في مقبرة باب أبرز، فلما مضت مدة رآه مظفر في النوم يعاتبه على مخالفته، فنقل في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب ودفن عند قبر بشر، ووجد كفنه حين نقل وبدنه طريا تفوح منه رائحة الطيب.