والنصر الأهنى، للعصر الامامي النبوي الناصري على يد الخادم أخلص أوليائه، والمختصّ من الاعتزاز باعتزائه إليه وانتمائه؛ وهذا الفتح العظيم، والنجح الكريم، قد انقرضت الملوك الماضية، والقرون الخالية، على مسرة تمنيه، وحيرة ترجيه، ووحشة اليأس من تسنيه، وتقاصرت عنه طوال الهمم، وتخاذلت عن الانتصار له أملاك الأمم، فالحمد لله الذي أعاد القدس إلى القدس، وطهره من الرجس، وحقق من فتحه ما كان في النفس، وبدّل وحشة الكفر فيه من الإسلام بالأنس، وجعل عزّ يومه ماحيا ذلّ أمس، وأسكنه الفقهاء والعلماء بعد الجهال والضلال من بطرك وقس، وعبدة الصليب ومستقبلي الشمس. وقد أظهر الله على المشركين الضالين، جنوده المؤمنين العالمين، وقطع دابر القوم الظالمين، والحمد لله رب العالمين، فكأن الله شرّف هذه الأمة فقال لهم: اعزموا على اقتناء هذه الفضيلة التي بها فضّلكم، وحقّق في حقكم امتثال أمره الذي خالفه اليهود في قوله ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
(المائدة: ٢١) وهذا الفتح قد أقدر الله على افتضاضه بالحرب العوان، وجعل ملائكته المسوّمة له من أعز الأنصار وأظهر الأعوان، واخرج من بيته المقدس يوم الجمعة أهل يوم الأحد، وقمع من كان يقول ان الله ثالث ثلاثة بمن يقول هو الله أحد. واعان الله بانزال الملائكة والروح، واتى بهذا النصر الممنوح، الذي هو فتح الفتوح، وقد تعالى ان يحيط به وصف البليغ نظما ونثرا، وعبد الله في البيت المقدّس سرا وجهرا، وملكت بلاد الاردنّ وفلسطين غورا ونجدا وبرا وبحرا، وملئت إسلاما وقد كانت ملئت كفرا، وتقاضى الخادم دين الدين الذي غلق رهنه دهرا، والحمد لله وشكرا، حمدا يجدّ للإسلام كلّ يوم نصرا، ويزيد وجوه أهله بشرى فتتوجّه بشرا.
والكتاب طويل ذكر فيه فصولا عن الوقائع التي تقدمت فتح القدس، فاكتفينا منه بما أوردناه.
وللعماد قصيدة من قصائده الطوال ضمنها فتح القدس وفلسطين، ومدح السلطان صلاح الدين اقتصرنا على إيراد طرف منها قال «١» :