لشاعر بعشرين ألف درهم، فكتب المنصور إلى ابنه المهدي يعذله ويلومه، وكتب إلى كاتب المهدي أن يوجّه إليه بي فطلبني ولم يظفر بي، فكتب إلى المنصور أنه توجه إلى مدينة السلام، فأجلس قائدا من قواده على جسر النهروان وأمره أن يتصفح الناس، حتى إذا علق بي حملني إليه، فلما مرّت به القافلة التي أنا فيها تصفحها فوقع بصره عليّ فسألني من أنت؟ قلت: أنا المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر أحد زوار الأمير المهدي، فقال: إياك طلبت، فكاد قلبي أن يتصدع خوفا من الخليفة، فقبض عليّ وأسلمني إلى الربيع، فأدخلني إلى المنصور، فسلمت تسليم مروّع، فردّ السلام وقال: ليس لك هاهنا إلّا خير، أنت المؤمل بن أميل؟ قلت: نعم أصلح الله أمير المؤمنين، قال: أتيت غلاما غرا فخدعته حتى أعطاك من مال الله عشرين ألف درهم، قلت: نعم أصلح الله الأمير، أتيت غلاما غرا كريما فخدعته فانخدع، قال المؤمل: فكأنّ كلامي أعجبه، فقال: أنشدني ما قلت فيه، فأنشدته:
هو المهديّ إلا أنّ فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور
ولكن فضّل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر ينقص ذا، وهذا ... منير عند نقصان الشهور
فيا ابن خليفة الله المصفّى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لئن فتّ الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... غدوا ما بين كاب أو حسير
وجئت مصلّيا تجري حثيثا ... وما بك حين تجري من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الخليق إلى الجدير
لئن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدى كبير ... فقد خلق الصغير من الكبير