الأكفاني قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر وأبي الحسين ابن لنكك وأبي عبد الله المفجع وأبي الحسن السماك في بطالة العيد، وأنا يومئذ صبيّ أصحبهم، فانتهوا إلى نصر الخبزارزي وهو يخبز على طابقه، فجلسوا يهنّونه بالعيد وهو يوقد السعف تحت الطابق، فزاد في الوقود فدخنهم فنهضوا حين تزايد الدخان، فقال نصر لابن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له: إذا استخت ثيابي، ثم مضينا في سكة بني سمرة حتى انتهينا إلى دار أبي أحمد ابن المثنى «١» ، فجلس ابن لنكك وقال: إن نصرا لا يخلي المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله فيه ويجب أن نبدأه قبل أن يبدأنا، فاستدعى بدواة وكتب إليه «٢» :
لنصر في فؤادي فرط حبّ ... أنيف به على كلّ الصحاب
أتيناه فبخّرنا بخورا ... من السّعف المدخّن بالتهاب
فقمت مبادرا وحسبت نصرا ... أراد بذاك طردي أو ذهابي
فقال متى أراك أبا حسين ... فقلت له إذا اتسخت ثيابي
فلما وصلت الرقعة إلى نصر أملى على من كتب له بظهرها الجواب، فلما وصل إلينا قرأناه فإذا هو فيه:
منحت أبا الحسين صميم ودّي ... فداعبني بألفاظ عذاب
أتى وثيابه كالشيب بيض «٣» ... فعدن له كريعان الشباب
وبغضي للمشيب أعدّ عندي ... سوادا لونه لون الخضاب
ظننت جلوسه عندي لعرس ... فجدت له بتمسيك الثياب
وقلت متى أراك أبا حسين ... فجاوبني إذا اتسخت ثيابي
ولو كان التقزز فيه خير ... لما كني الوصيّ أبا تراب