كان واحد عصره في صناعة الطب متفننا في علوم كثيرة، حكيما أديبا شاعرا مجيدا، وكان يكتب خطا منسوبا في نهاية الحسن، وكان عارفا بالفارسية واليونانية والسريانية متضلعا بالعربية، وله النظم والنثر الفائق، ونثره أجود من شعره، وكان ساعور البيمارستان العضدي، تولّاه إلى أن توفي، وكان حاذقا في المباشرة والمعالجة موفقا في صناعته، خدم الخلفاء من بني العباس وتقدم عندهم وعلت مكانته لديهم، وعمّر طويلا، نبيه الذكر جليل القدر معروف المكانة، وكان مقدّم النصارى في بغداد ورأسهم ورئيسهم وقسيسهم، وكان حسن العشرة كريم الأخلاق ذا مروءة وسخاء، حلو الشمائل كثير النادرة، وكان يميل إلى صناعة الموسيقى ويقرّب أهلها، وكانت دار القوارير.. بغداد من اقطاعه، فلما ولي يحيى بن هبيرة الوزارة حلّها وأخذها منه، فحضر ابن التلميذ يوما عند الخليفة المقتفي على عادته، فلما أراد الانصراف عجز عن القيام وكان قد ضعف من الكبر، فقال له المقتفي: كبرت يا حكيم، قال: نعم كبرت وتكسّرت قواريري، وهذا مثل يتماجن به أهل بغداد، فقال الخليفة رجل عمّر في خدمتنا وما تماجن قطّ بحضرتنا فلهذا التماجن سرّ ثم فكّر ساعة وسأل عن دار القوارير فقيل له: قد حلّها الوزير وأخذها منه، فأنكر عليه المقتفي أخذها إنكارا شديدا وردّها على ابن التلميذ وزاده إقطاعا آخر.
وكان ابن التلميذ هو وأوحد الزمان أبو البركات هبة الله المعروف بابن ملكا في خدمة المستضيء بأمر الله، وكان بينهما شنآن وعداوة، فأراد أوحد الزمان أن يوقع ابن التلميذ في تهلكة، فكتب رقعة يذكر فيها عن ابن التلميذ عظائم لا تصدر عن مثله، ووهب لبعض خدم القصر مالا ورغب إليه أن يلقي الرقعة في مجلس من مجالس الخليفة ففعل، فلما أخذ الخليفة الرقعة وقرأها همّ أن يوقع بأمين الدولة، فأشير عليه أن يتبصّر ويستقصي عن ذلك، فأخذ يقرّر من يتهمه من الخدم عن الرقعة فظهر الأمر، وعلم أن ذلك تدبير أوحد الزمان لإهلاك ابن التلميذ، فغضب وأباح أمين الدولة ابن التلميذ دم أوحد الزمان وماله وكتبه، فكان من كرم أخلاق أمين الدولة أنه لم يتعرض له بسوء وصفح عنه، غير أنه قال فيه «١» :