إجماعهم على تقديم هؤلاء الثلاثة اختلفوا في أيهم أحقّ بالتقديم على الآخرين، فأما قدماء أهل العلم والرواة فلم يسوّوا بينهما وبين الأخطل لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر ولا له مثل ما لهما من فنونه ولا تصرّف كتصرفهما في سائره، وقالوا: إن ربيعة أفرطت في الأخطل حين ألحقته بهما. وهم في الفرزدق وجرير قسمان: فمن كان يميل إلى جزالة الشعر وفخامته وشدّة أسره فيقدم الفرزدق، ومن كان يميل إلى الشعر المطبوع وإلى الكلام السمح السهل الغزل فيقدم جريرا.
وقال ابن سلام «١» : كان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلدا (والمقلّد البيت المستغني بنفسه المشهور الذي يضرب به المثل) فمن ذلك قوله:
فيا عجبا حتى كليب تسبّني ... كأن أباها نهشل ومجاشع
وقوله:
ليس الكرام بمانحيك أباهم ... حتى تردّ إلى عطية تعتل
وقوله:
وكنا إذا الجبار صعّر خدّه ... ضربناه حتى تستقيم الأخادع
وقوله:
وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدم
وقوله:
وان تنج مني تنج من ذي عظيمة ... وإلا فاني لا إخالك ناجيا