كأنني بك فوق الجسر منتصبا ... على جواد قريب منك في الحسب
حتى نراك وقد درّعته قمصا ... من الصديد مكان الليف والكرب
لله أنت فما قربى تهمّ بها ... الا اجتلبت لها الأنساب من كثب
فعاد الهيثم إليه وقال: يا سبحان الله قد أمّنتني وجعلت لي عهدا ان لا تهجوني فقال: وإنهم يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ
(الشعراء: ٢٢٦) وكان الهيثم مكروها لأنه كان يتعرض لأحوال الناس وأخبارهم فيرويها على وجهها ويشيع ما كتموا، فكرهوه ووشوا به إلى الولاة وأغروا الشعراء بهجوه.
حدث علي بن جبلة الشاعر المشهور المعروف بالعكوك قال «١» : جاءني أبو يعقوب الخريمي فقال: إن لي إليك حاجة، قلت: وما هي؟ قال: تهجو لي الهيثم بن عدي، فقلت: وما لك أنت لا تهجوه وأنت شاعر؟ فقال: قد فعلت فما جاءني شيء كما أريد، فقلت له: كيف أهجو رجلا لم يتقدم إليّ منه إساءة ولا له إليّ جرم يحفظني؟ فقال: تقرضني فاني مليّ بالوفاء والقضاء، قلت: نعم فأمهلني اليوم، فمضى وغدوت عليه فأنشدته:
للهيثم بن عديّ نسبة جمعت ... آباءه فأراحتنا من العدد
اعدد عديا فلو مدّ البقاء له ... ما عمّر الناس لم ينقص ولم يزد
نفسي فداء بني عبد المدان وقد ... تلّوه للوجه واستعلوه بالعمد
حتى أزالوه كرها عن كريمتهم ... وعرّفوه بذلّ أين أصل عدي
يا ابن الخبيثة من أهجو فأفضحه ... إذا هجوت وما تنمى إلى أحد
قوله: نفسي فداء بني عبد المدان والبيت الذي بعده: إشارة إلى الخبر الذي تقدم من قدوم محمد بن زياد بن عبد المدان على الرشيد واستظهاره به على تطليق فتاتهم الحارثية من الهيثم، وقد تقدمت القصة.
مات الهيثم بفم الصلح سنة تسع ومائتين وقيل سنة سبع وله ثلاث وتسعون سنة.
وله من المصنفات: كتاب هبوط آدم وافتراق العرب. كتاب نزول العرب