وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراق في الطلب
قوله: وجانب الراء إشارة إلى لثغة واصل، وكان واصل الثغ قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلص كلامه من الراء ولا يفطن لذلك السامع لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، وفي ذلك يقول أبو الطروق الضبي «١» :
وتتابع على واصل ما يشهد بالحاده قال واصل: أما لهذا الأعمى الملحد، أما لهذا المشنّف المكنّى بأبي معاذ من يقتله؟! أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسست إليه من يبعج بطنه في جوف منزله أو في حفله ثم لا يتولّى ذلك إلا عقيلي أو سدوسي، فقال: أبو معاذ، ولم يقل بشار، وقال المشنف ولم يقل المرعث، وكان بشار ينبز بالمرعث، وقال من سجايا الغالية ولم يقل الرافضة، وقال في منزله ولم يقل في داره، وقال يبعج ولم يقل يبقر، كلّ ذلك تخلصا من الراء. ولما بلغ بشارا إنكار واصل عليه وأنه يهتف به قال يهجوه «٣» :
ما لي أشايع غزّالا له عنق ... كنقنق الدوّ إن ولّى وإن مثلا
عنق الزرافة ما بالي وبالكم ... أتكفرون رجالا أكفروا رجلا
وكان واصل في أول أمره يجلس إلى الحسن البصري، فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكب الكبائر وقال الجماعة بايمانهم خرج واصل عن الفريقين وقال بمنزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن عن مجلسه، فاعتزل عنه، وتبعه عمرو بن عبيد، ومن ثمّ سمّوا وجماعتهم المعتزلة.
ومما قيل في لثغه بالراء قول بعضهم «٤» :
ويجعل البرّ قمحا في تصرّفه ... وخالف الراء حتى احتال للشّعر
ولم يطق مطرا في القول يجعله ... فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر