بينهما قول منصف: إن جيد أبي تمام خير من جيدي ورديئي خير من رديئه.
وقال له الحسين بن إسحاق يوما: إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام، فقال: والله ما ينفعني هذا القول ولا يضرّ أبا تمام، والله ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كما قالوا، ولكنّي والله تابع له لائذ به، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه.
وحدث محمد بن علي الأنباري قال: سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام يوما لنفسه «١» :
وسابح هطل التعداء «٢» هتان ... على الجراء أمين غير خوّان
فلو تراه مشيحا والحصى زيم «٣» ... بين السنابك من مثنى ووحدان
أيقنت إن تتثبّت «٤» أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان «٥»
ثم قال لي: ما هذا الشعر؟ قلت: لا أدري، قال: هذا هو الاستطراد، قلت: وما معنى ذلك؟ قال: يريك أنه يريد وصف الفرس، وهو يريد هجاء عثمان.
قال المؤلف الفقير: وهذا هو الذي ذكره علماء البديع في تعريف الاستطراد.
وقد نحا البحتري نحو أبي تمام فوصف فرسا واستطرد إلى هجو حمدويه الأحول فقال «٦» :
ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوما خلائق حمدويه الأحول
وهو من قصيدة امتدح بها محمد بن علي القمي، وكان حمدويه عدوّا له فهجاه في عرض مدحه لمحمد القمي.