ويجبي، واستمر على حاله هذه حتى مات. قال الداروني: مشيت يوما مع أبي الوليد المهري إلى أن مررنا بالجزارين، فقام إليه رجل منهم فقال: يا أبا الوليد، أضررت بي لأن بضاعتي كلها عندك ولا بد من قبض مالي قبلك، فاعتذر إليه وسأل الصبر فأبى، فمرّ بنا رجل فقال: كم لك على الشيخ؟ فقال: عشرة دنانير، فقال: هي عليّ، مرّ حتى أدفعها إليك. فمضى معه، فظننت أنه من إخوان المهري وظن المهري أنه من أجلي فعل به ذلك، فلما صرنا إلى داره قال: الرجل الذي أدى عني الدنانير من هو؟ قلت: ما أعرفه، وما كنت أظن إلا أنك عارف به، قال: فسل عنه، فسألت فإذا هو رومي من أهل العطارين، وكان الناس من تعظيم العلم والأدب على خلاف ما هم عليه اليوم.
وقال حمدون النحوي الملقب بالنعجة: كنا عند المهري يوما فقال: اخرجوا بنا إلى ماجل مهرية نتفرج، وكانت داره بالقرب من سوق الأحد، فخرجنا فجلسنا حوله إلى أن مرّ بنا نحو عشرين بغلا أو أكثر، ومعها رجل راكب؛ فلما رأى المهريّ على إليه ونزل ثم قال: يقرأ مولاي عليك السلام، وقد وجه بهذه الدواب، وهي محملة طعاما وعسلا وخلا وزيتا، وبهذه العشرين دينارا، فقبضها منه تكرها ثم دمع وقال:
ذهب الناس، إنا لله وإنا إليه راجعون، أبو علي ابن حميد يوجّه إليّ بهذا؟! قال حمدون: فقلت له احمد الله واشكره فأن هذا كثير. قال: فنظر إليّ وهو مغضب ثم قال: هو كثير لك ولأمثالك، فأما لي فلا.