للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظللت به عند المبرد قائلا ... فما زلت في ألفاظه أتبرد

فقال لي: قد كان يسعك إذا لم تحمد ألّا تذم، وما لك عندي جزاء الا إخراجك، والله لا جلست عندي بعد هذا، فأخرجني فمضيت إلى منزلي بباب الشام، فمرضت من الحرّ الذي نالني مدة، فعدت باللوم على نفسي.

قال الخالدي: حدثنا جحظة عن أحمد بن أبي طاهر قال: قصدت سرّ من رأى زائرا بعض كتّابها بشعر مدحته به، فقبلني وأحسن إليّ وأجزل صلتي ووهب لي غلاما روميا حسن الوجه، ورحلت أريد بغداد سائرا على الظّهر ولم أركب الماء، فلما سرت نحو الفرسخ أخذتنا السماء بأمر عظيم من القطر، ونحن بالقرب من دير السّوسن [١] فقلت للغلام: اعدل بنا يا بنيّ إلى هذا الدير نقيم فيه إلى أن يخفّ هذا المطر، ففعل، وازداد القطر واشتد، وجاء الليل، فقال الراهب: أنت العشية هاهنا، وعندي شراب جيّد فتبيت وتقصف، ويسكن المطر وتجفّ الطريق وتبكّر، فقلت:

أفعل، فأخرج إليّ شرابا ما رأيت قطّ أصفى منه ولا أعطر، فقلت: هات مدامك، وأمرت بحط الرحل، وبتّ والغلام يسقيني والراهب نديمي حتى متّ سكرا، فلما أصبحت رحلت وقلت:

سقى سرّ من را وسكّانها ... وديرا لسوسنها الراهب

سحاب تدفّق عن رعده ال ... صّفوق وبارقه الواصب

فقد بتّ في ديره ليلة ... وبدر على غصن صاحبي

غزال سقاني حتى الصباح ... صفراء كالذهب الذائب

على الورد من حمرة الوجنتين ... وفي الآس من خضرة الشارب

سقاني المدامة مستيقظا ... ونمت ونام إلى جانبي

فكانت هناة لك الويل من ... جناها الذي خطّه كاتبي

فيا ربّ تب واعف عن مذنب ... مقرّ بزلته تائب


[١] ذكر الشابشتي بسامرا ديرا اسمه دير السوسي (١٤٩- ١٦٢) ولكن هذه الحكاية لم ترد فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>