يؤرخ للأدباء؟ إن هذا الميل سيظل ينمو في نفسه مع الزمن حتى يجد تحقيقه في معجمين كبيرين.
ومن بعد حين اتصل ياقوت بالقفطي حدثه أن الحلي حين عرف أنه (أي ياقوت) يتنقل في البلدان للتجارة قال له: قد أنست بفضلك وعقلك، ومعي في هذا الجمدان بين ثيابي ستة آلاف دينار مصرية (أو قال ثلاثة آلاف دينار مصرية، الشك من القفطي) وقد عزمت على أن أعطيك منها جزءا متوفرا تتجر به لتجد به مرفقا، ومتى غنيت أعدت إليّ رأس المال. ولكن ياقوتا اعتذر عن قبول هذا العرض «١» .
استمر ياقوت يتجر لعسكر مولاه، بعد زيارته لآمد، مدة تقل عن سنتين، إذ أن جفوة حدثت بينهما سنة ٥٩٦، فاستغنى عسكر عن خدمته وأعتقه وأبعده عنه «٢» ، فأخذ يتعيش من النسخ بالأجرة، حتى أنه كتب بين سنتي (٥٩٦- ٦٠٣) أي خلال سبع سنوات ثلاثمائة مجلد. لهذا نقدّر أنه لم يغادر بغداد، وأخذ النسخ بيده إلى الاستقرار، وفي تلك الفترة ربطته المهنة الجديدة إلى محبّي الكتب، فصحب أبا سعد الحسن بن محمد (ابن صاحب التذكرة الحمدونية)«٣» وحمد صحبته، وكان أبو سعد مغرما بالكتب واقتنائها والمبالغين في تحصيلها وشرائها، وكان أقسى ما عاناه في حياته أنه حين بطل عن العمل كان يبيع بعضها وعيناه تذرفان، فيحاول ياقوت أن يعزيه بأن الدهر ذو دول، ولا ريب في أن ياقوتا كان يتعامل معه بالكتب نسخا وبيعا وشراء. من ذلك أن أبا سعد استنسخه بالأجرة كتابا في اللغة يسمى «المحيط» من تأليف الصاحب بن عباد كان في وقف بغداد، فجاء في سبعة مجلدات «٤» .
وممن تعرّف إليهم في هذه الفترة الحسن بن أبي المعالي الحلّي المعروف بابن الباقلاني النحوي «٥» ، لقيه ببغداد سنة ٦٠٣، وكان آخر العهد به. وأقدّر أنه في سياق عمله في الكتب، اقترب كثيرا من الشيوخ، ودرس عليهم، وسوف أفرد مدخلا خاصا