غير أن القفطي يتهم المؤرخ (ابن الأثير) بأنه تصرّف في الكتيبات والأوراق التي بخطّ ياقوت تصرفا غير مرضيّ، ولم يوصلها (بعد أن عاد إلى الموصل) إلى حيث أوصى صاحبها «بل فرّقها على جماعة أراد انتفاعه بهم وبها عندهم، ولم ينفعه الله بشيء من ذلك، ولم يتملّ منها بأمل ولا مال، وقطع الله أجله، بعد أن قطع من الانتفاع بتفرقتها أمله، فاكتسب خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وبلغني أن خبرها وصل إلى بغداد وأنهم طالبوه من هناك بتسييرها إلى محلّ وقفها، فسيّر بعضها وأعرض عن بعض، فنعوذ بالله من سوء القضاء والقدر»«٢» .
لست أود أن أدافع عن ابن الأثير المؤرخ، ولا أن أرمي القفطي بالتزيد، أو بتسجيل سيئات الناس دون محاسنهم، إذ إني لا أعرف ما كان بين الرجلين من علاقة، كما أني لا أحب أن أقول إن المعاصرة هجنة، أو أن أقيس أخلاق الفرد على ما اكتسبه- بعد مرور القرون- من شهرة علمية، ولكن هذا لا يمنعني من أن أتساءل:
ما الانتفاع الذي كان يرجوه ابن الأثير من تفريق كتب ياقوت وأوراقه؟. لقد ترك القفطي هذا الجانب غامضا، فنحن لا نعرف ماذا فرّق، وعلى من فرّقه، وقد كان قادرا على الانتفاع لو شاء من طرق أخرى، كالاتصال بالحكام في عصره، وتقديم الخدمات لهم، وهو قد ابتعد عن ذلك عامدا.
ولكن حديث القفطي عن ابن الأثير يصلح أن يكون مدخلا لفهم موقفه من ياقوت، فقد كان الرجل (أي ياقوت) في نظره عسر الفهم، وكان في خلقه مكابرة (أية مكابرة تبرز من أول لقاء بين بائع كتب يرجو نفاق سلعته عند وزير رفيع المكانة كالقفطي؟!) وفي أول لقاء بين الرجلين تأمّل القفطي هذا الرومي فتوسّم فيه أمورا صدق حدسه فيها إذ علم أنه لا يصلح للعشرة. ترى ما هي تلك الأمور التي توسّمها فيه؟ وعندما احتاج ياقوت إلى من يؤويه ويعطف على حاله كان القفطي يرى في خلقه الطيش، ويدرك أن أخلاقه خلقة، ومخاريقه منخرقة، ويجد في دينه قاذورات،