للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن آثرت الإقامة بدار العلم، فشاهدت أنفس مكان لم يسعف الزّمن بإقامتي فيه.

والجاهل مغالب القدر. فلهيت عمّا استأثر به الزّمان. والله يجعلهم أحلاس الأوطان، لا أحلاس الخيل والرّكاب؛ ويسبغ عليهم النّعمة سبوغ القمراء الطّلقة على الظّبي الغرير، ويحسن جزاء البغداديّين؛ فلقد وصفوني بما لا أستحقّ، وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم، وعرضوا عليّ أموالهم عرض الجدّ، فصادفوني غير جذل بالصّفات، ولا هشّ إلى معروف الأقوام. ورحلت وهم لرحيلي كارهون. وحسبي الله وعليه يتوكل المتوكّلون.

وكتب إلى أبي طاهر المشرّف بن سبيكة وهو ببغداد، يذكر له أمر شرح السيرافي وما جرى فيه من التعب:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*

لله الحمد، ما أحصي خطأ وعمد؛ وصلى الله على محمد ما التأم شعب، وعلا كعبا كعب.

شوقي إلى سيّدي الشيخ شوق البلاد الممحلة، إلى السّحابة المسحلة [١] .

وانتفاعي بقربه انتفاع الأرض الأريضة، بالأمواه الغريضة [٢] . وتشوّفي لأخباره تشوّف راعي أنعام، أجدب في عام بعد عام؛ لبارق يمان، هو له مرتقب ممان [٣] . وأسفي لفقده أسف وحشيّة، رادت بالعشيّة، فخالفها السّرحان [٤] إلى طلا راد فحار؛ فهي تطوف حول أميل [٥] ، وترى صبرها ليس بجميل. وتذكّري لأوقاته تذكّر الفطيم ثدي الوالدة، والمقسم بالملح لبني خالدة [٦] . وانتظاري لقدومه انتظار تاجر مكّة وفد


[١] مسحلة: غزيرة المطر، من قولهم مطر مسحل أي جود.
[٢] الأريضة: المستعدة للعطاء، الزكية الكريمة؛ الغريضة: الأمواه الطرية.
[٣] ممان: ممطول.
[٤] السرحان: الذئب.
[٥] أميل: جبل من الرمل.
[٦] الملح: الرضاع، والاشارة الى قول الشاعر:
لا يبعد الله رب العباد ... والملح ما ولدت خالده

<<  <  ج: ص:  >  >>