للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما حثني على ترك أكل الحيوان أنّ الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارا، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب، بقي لي ما لا يعجب؛ فاقتصرت على فول وبلسن [١] ، وما لا يعذب على الألسن. فأما الآن فإذا صار إلى من يخدمني كبير عندي وعنده هين، فما حظّي إلا اليسير المتعيّن. ولست أريد في رزقي زيادة، ولا أوثر لسقمي عيادة، والسلام.

٣- الجواب من ابن أبي عمران:

حوشي الشيخ- أدام الله سلامته- من أن يكون ممن فطن في مرض دينه وعقله لعلته، وأجاب دعوة الداعي منه، بالبيت الشائع عنه لينال شفاء علته، جوابا يزيده إلى غلّته غلة، إذا يكون كما قال المتنبي:

أظمتني الدنيا فلما جئتها ... مستسقيا مطرت عليّ مصائبا

كان سؤالي له- حرسه الله- في شيء يختصّ بنفسه في هجره ما يشدّ الجسم من اللحم الذي ينبت اللحم، فأجاب بما أقول في جوابه: أهذه أنباء الأمور الصحائح؟

وهل زاد السقيم بدوائه هذا إلا سقما، والأعمى الأصمّ في دينه وعقله بما قال إلا عمى وصمما، على أن جميع ما ذكره بنجوة عن سؤالي الأول ومعزل عنه، ولا مناسبة بينها وبينه.

وأما القول بأن اللحوم لا يوصل إليها إلا بإيلام الحيوان فقد سبق الجواب: لا يكوننّ الشيخ أرأف بها من خالقها، فليس يخلو من كونه عادلا أو جائرا، فإن كان عادلا فإنه سبحانه يقبض أرواح الآكل والمأكول جميعا، وذلك مسلّم له، وإن كان جائرا لم ينبغ أن نرجح على خالقنا بعدلنا وجوره.

وأما قوله: وللسائل أن يقول إن كان الخير هو الذي لا يريد ربنا سواه فالشرّ لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون قد علم به أولا إلى آخره، فأقول: قيل إن إنسانا ضاع له مصحف فقيل له اقرأ: وَالشَّمْسِ وَضُحاها

(الشمس: ١) فإنك تجده، فقال


[١] البلسن: العدس.

<<  <  ج: ص:  >  >>