للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الله سبحانه، فليس لأحد أن يحلّل أو يحرّم غيره.

وأما قوله إن عليا عليه السلام لما قدّم الخبيص سأل: هل أكل النبي صلى الله عليه وسلم منه؟

فلما قالوا: لا، رفعه ولم يأكله، فهذه الحجة عليه لا له، فإن الناس مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق أكل اللحم، وهو يهجره دهره، وذلك بالضدّ سواء، ولو أنه حرسه الله لم يستظهر عليّ بالشريعة ولم يتجاوز نصبة العقل لصنته عن هذا الجواب الذي عسى أن يشغل سرّه، ويعز عليّ ذلك.

وأما ما شكاه من ضعفه وقصور حركته وأنه لم يبق فيه بقية لأن نسأل ولا أن يجيب، فما هو- حرسه الله- على علّاته من الضعف والقوة إلا من محاسن الزمان، وممن سارت بذكر فضله الركبان، إلا أنه على عدوان الدهر عليه عدا على نفسه بحرمانها ملاذّ دنياها، فإن وثقت نفسه بملاذّ تعتاض عنها مما هو خير وأبقى منها فما خسرت صفقته وقام مصداق قوله بالبيت المقدم ذكره، وان كان يوسم بميسم الشحّ بمنع المنتجعين وردّ السائلين. وان كان شقّ على نفسه من غير بصيرة، كما يدّعيه الآن، خوضا مع الخائضين، وتحيرا مع أمثالنا من المتحيرين، فقد أضاعها وجنى عليها وادعى في البيت المقدّم ذكره ما لا برهان له. والغرض في السؤال والجواب الفائدة، وإذا عدمت فقد خفّف الله عنه أن يتكلّف جوابا.

واما الأسجاع ومسألتي التخلي عنها فما كانت إلّا شحا بالمعاني ان نضلّ بتتبعها، ولأنني إذا تتبعت فضله بصناعته في الأدب والشعر وجدت في أرضه مراغما كثيرا وسعة، ومن أين لي أن أظهر على مكنون جواهر علوم دينه كظهوري على مصنفّات أدبه وشعره.

وقبل وبعد فأنا أعتذر عن سرّ له أدام الله حراسته أذعته، وزمان منه بالقراءة والاجابة شغلته، لأنني من حيث ما نفعته ضررته، والله تعالى يعلم أني ما قصدت به غير الاستفادة من علمه، والاغتراف من بحره، والسلام.

وكنا بحضرة القاضي الأكرم الوزير جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني- حرس الله مجده- وفيه جماعة من أهل الفضل والأدب، فقال أبو الحسن علي بن عدلان النحوي الموصلي: حضرت بدمشق عند محمد بن نصر بن عنين الشاعر وزير المعظم، فجاءته رقعة طويلة عريضة خالية من معنى، فارغة من

<<  <  ج: ص:  >  >>