للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أراني الدهر من تصريفه ... غيرا يغيّر مثلها مثلي

بلغ أحمد بن ثوابة بجنونه ... ما ليس يبلغه ذوو عقل

إن كان نقص المرء يجلب حظه ... فالعقل يرفع رزق ذي فضل

قال أبو حيان في «كتاب الوزيرين» [١] : حدثنا أبو بكر الصميري قال، حدثنا ابن سمكة قال، حدثنا ابن محارب قال، سمعت أحمد بن الطيب يقول: إنّ صديقا لابن ثوابة الكاتب أبي العباس يكنى أبا عبيدة قال له ذات يوم: إنك بحمد الله ومنّه ذو أدب وفصاحة وبراعة [وبلاغة] فلو أكملت فضائلك بأن تضيف إليها معرفة البرهان القياسي وعلم الأشكال الهندسية الدالة على حقائق الأشياء، وقرأت أقليدس وتدبّرته، فقال لي ابن ثوابة: وما كان اقليدس ومن هو؟ قال: رجل من علماء الروم يسمّى بهذا الاسم وضع كتابا فيه أشكال كثيرة مختلفة تدلّ على حقائق الأشياء المعلومة والمغيّبة يشحذ الذهن ويدقّق الفهم ويلطّف المعرفة ويصفّي الحاسة ويثبت الرويّة، ومنه افتتح الخط وعرفت مقادير حروف المعجم، قال له أبو العباس ابن ثوابة: وكيف ذلك؟ قال: لا تعلم كيف هو حتى تشاهد الأشكال وتعاين البرهان، قال: فافعل ما بدا لك، فأتاه برجل يقال له قويري [٢] مشهور ولم يعد إليه بعد ذلك.

قال أحمد بن الطيب: فاستظرفت ذلك وعجبت منه، فكتبت إلى ابن ثوابة رقعة نسختها: بسم الله الرّحمن الرّحيم، اتصل بي- جعلت فداك- أن رجلا من إخوانك أشار عليك بتكميل فضائلك وتقويتها بشيء من معرفة القياس البرهانيّ وطمأنينتك إليه، وأنك أصغيت إلى قوله وأذنت له، فأحضرك رجلا كان غاية في سوء الأدب، معدنا من معادن الكفر، وإماما من أئمة الشرك، لاستغرارك واستغوائك، يخادعك عن عقلك الرصين، وينازلك في ثقافة فهمك المبين، فأبى الله العزيز إلا جميل عوائده الحسنة قبلك، ومننه السوابق لديك، وفضله الدائم عندك بأن أتى على قواعد برهانه من ذروته، وحطّ عوالي أركانه من أقصى معاقد أسّه، فأحببت استعلامي ذلك على كنهه من جهتك، ليكون شكري لك على ما كان منك حسب لومي لصاحبك على


[١] أخلاق الوزيرين: ٢٣٥- ٢٤٧.
[٢] قويري: اسمه إسحاق بن إبراهيم (أخبار الحكماء: ٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>