الفضلاء، قد صاحب الفضل في أيام نفد زاده، وفني عتاده [وضاعت] عدته، وبطلت أهبته، فقوّم سناد العلوم بعد ما غيّرتها الأيام بصروفها، ووضع أنامل الأفاضل على خطوطها وحروفها، ولم يخلق الله تعالى فاضلا في عهده إلا وهو في مائدة آدابه ضيف، وله بين بابه وداره شتاء وصيف، وما على من عام لجج البحر الخضمّ واستنزف الدرر ظلم وحيف. وكان هذا الامام يأكل من كسب يده، ومما أنشدني رحمه الله لنفسه:
حننت إليهم والديار قريبة ... فكيف إذا سار المطيّ مراحلا
وقد كنت قبل البين لا كان بينهم ... أعاين للهجران فيهم دلائلا
وتحت سجوف الرقم أغيد ناعم ... يميس كخوط الخيزرانة مائلا
وينضو علينا السيف من جفن مقلة ... تريق دم الأبطال في الحبّ باطلا
ويسكرنا لحظا ولفظا كأنما ... بفيه وعينيه سلافة بابلا
وله أيضا:
شفة لماها زاد في آلامي ... في رشف ريقتها شفاء سقامي
قد ضمّنا جنح الدجى وللثمنا ... صوت كقطّك أرؤس الأقلام
ثم ذكر البيتين اللذين أولهما:
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي
وقد مرّ ذكرهما آنفا، ثم قال، وله:
يا كاذبا أصبح في كذبه ... أعجوبة أيّة أعجوبه
وناطقا ينطق في لفظة ... واحدة سبعين أكذوبه
شبّهك الناس بعرقوبهم ... لما رأوا أخذك أسلوبه
فقلت كلّا إنه كاذب ... عرقوب لا يبلغ عرقوبه
ثم ذكر وفاته كما تقدم في رواية عبد الغافر، ثم ذكر ولده سعيدا، وقد ذكرناه في بابه «١» .