للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تختلف، تقول ضربته ضربة وجلست جلسة وركبت ركبة، لا اختلاف في ذلك بين أحد من النحويين، وإنما تكسر من ذلك ما كان هيئة حال فتصفها بالحسن والقبح وغيرهما فتقول: هو حسن الجلسة والسيرة والركبة وليس هذا من ذلك. وقلت أسنمة للبلدة [١] ورواه الأصمعي بضم الهمزة أسنمة، فقال: ما روى ابن الأعرابي وأصحابنا إلا أسمنة، فقلت: قد علمت أنت أن الأصمعيّ أضبط لما يحكي وأوثق فيما يروي.

وقلت إذا عزّ أخوك فهن [٢] ، والكلام فهن، وهو من هان يهين إذا لان، ومنه قيل هين لين، لأنّ هن من هان يهون من الهوان، والعرب لا تأمر بذلك، ولا معنى لهذا الكلام يصحّ لو قالته العرب، ومعنى عزّ ليس من العزة التي هي المنعة والقدرة وإنما هو من قولك عزّ الشيء إذا اشتد، ومعنى الكلام: اذا صعب أخوك واشتدّ فذلّ من الذلّ له ولا معنى للذلّ هاهنا كما تقول اذا صعب أخوك فلن له. قال فما قرىء عليه «كتاب الفصيح» بعد ذلك علمي. ثم بلغني أنه سئم ذلك فأنكر كتاب الفصيح أن يكون له.

قال المؤلف: وهذه المآخذ التي أخذها الزجاج على ثعلب لم يسلّم إليه العلماء باللغة فيها، وقد ألفوا تآليف في الانتصار لثعلب يضيق هذا المختصر عن ذكرها.

وحدث الزجاج قال: أنشدنا أبو العباس المبرد:

فيّ انقباض وحشمة فإذا ... رأيت أهل الوفاء والكرم

أرسلت نفسي على سجيتها ... وجئت ما جئت غير محتشم

قال عبيد الله الفقير: وهذان البيتان يرويان لمحمد بن كناسة، وقد رواهما آخرون لأبي نواس.

قال الزجاج: فقلت له: أليس يقول الأصمعي الحشمة الغضب فقال:

الحشمة: الغضب، والحشمة الاستحياء، لأن الغضب والاستحياء جميعا نقصان في النفس وانحطاط عن الكمال فلذلك كان مخرجهما واحدا، قال فقلت له: أليس الحياء محمودا والغضب مذموما، وقد روي أن الحياء شعبة من الايمان، وقد قيل إذا لم تستح فاصنع ما شئت، فقال: الحياء محمود في الدين وفي اجتناب المحارم وفي


[١] الفصيح: ٤٧.
[٢] الفصيح: ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>