فإن كان لك رأي في الدخول إليه فقم. فقام أبو إسحاق فدخل على أبي خازم فسلّم عليه وتعرّف كلّ واحد منهما خبر صاحبه، غير أنه لم يكن منه من الإقبال ما كان أبو إسحاق يعتقد منه، فأدّى أبو إسحاق رسالة الوزير، فقال أبو خازم: تقرأ على الوزير- أعزّه الله- السلام وتقول له: إن هذا الرجل محبوس لخصمه في دينه وليس بمحبوس لي، فإن أراد الوزير إطلاقه فإما أن يسأل خصمه إطلاقه أو يقضي دينه، فإن الوزير لا يعجزه ذلك. قال أبو إسحاق: جئت إلى هاهنا قبل الظهر فامتنع البواب من الاستئذان على القاضي، فجلست إلى الآن للدخول عليك. (وهو يقصد بهذا أن ينكر القاضي على البواب) . فقال له: نعم، هكذا عادتي، إذا قمت من مجلسي ودخلت داري اشتغلت ببعض الحوائج التي تخصّني، فإن القاضي لا بدّ له من خلوة وتودّع. فاغتاظ أبو إسحاق من ذلك أكثر وقال له: كنت بحضرة الوزير في بعض الليالي، فأنشد بين يديه [١] :
أدلّ فيا حبذا من مدلّ ... ومن سافك لدمي مستحلّ
إذا ما تعزّز قابلته ... بذلّ وذلك جهد المقلّ
فسأل عن ذلك فقيل: إنها للقاضي- أعزه الله- فقال القاضي أبو خازم: نعم، هذه أبيات قلتها في والدة هذا الصبيّ- لغلام قاعد بين يديه، في يده كتاب من الفقه يقرأ عليه وهو ابنه- فإني كنت ضعيف الحال أوّل ما عرفتها، وكنت مائلا إليها، ولم يمكن إرضاؤها بالمال، فكنت أطيّب قلبها بالبيت والبيتين. فقام أبو إسحاق وودّعه ومضى إلى أبي عمر، فاستقبله حجّابه من باب الدار، وأدخلوه إلى الدار، فاستقبله القاضي من مجلسه خطوات وأجلسه في موضعه وأكرمه كما يكرم من يكون خصّيصا بوزير إذا جاء إلى ناظر من قبله، فقال له: في أيّ معنى وأي شيء ترسم؟ فأدّى إليه رسالة الوزير في باب الرجل المحبوس، فقال أبو عمر: السمع والطاعة لأمر الوزير، أنا أسأل صاحب الحقّ حتى يفرج عنه، فإن فعل وإلا وزنت الدين من مالي إجابة لمسألة الوزير- أعزه الله- فقام أبو إسحاق وودعه وانصرف إلى الوزير ضيّق الصّدر