لا يبتليه بالقولنج لما رأى من صعوبته على أبيه، فأري في منامه كأنّ قائلا يقول له: قد أجيبت دعوتك، ولست تموت بالقولنج، ولكن تموت بضدّه، فأصابه ذرب فمات منه في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين ومائتين في خلافة المتوكل على الله، فبلغ المتوكل نعيه فغمّه وحزن عليه وقال: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته، ثم نعي إليه بعده أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي الخارج عليه فقال: تكافأت الحالان، ثم قال: قام الفتح بوفاة أحمد وما كنت آمن وثبته عليّ مقام الفجيعة باسحاق، والحمد لله على ذلك. ورثاه أودّاؤه وأصدقاؤه بأشعار كثيرة منها قول إدريس ابن أبي حفصة «١» :
سقى الله يا ابن الموصليّ بوابل ... من الغيث قبرا أنت فيه مقيم
ذهبت فأوحشت الكرام فما يني ... بعبرته يبكي عليك كريم
إلى الله أشكو فقد إسحاق إنني ... وإن كنت شيخا بالعراق يتيم
وقال مصعب بن [عبد الله] الزبيري يرثي إسحاق «٢» :
أتدري لمن تبكي العيون الذوارف ... وينهلّ منها مسبل ثم واكف
لفقد امرىء لم يبق في الناس مثله ... مفيد لعلم أو صديق يلاطف
تجهّز إسحاق إلى الله رائحا ... فلله ما ضمّت عليه اللفائف
وما حمل النعش المولّي «٣» عشيّة ... من الناس إلّا دامع العين لاهف «٤»
فلقّيت في يمنى يديك صحيفة ... إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
تسرّك يوم البعث عند قراتها ... ويفترّ ضحكا كلّ من هو واقف «٥»