درهما واحدا، فأخذ بيده وقبض ألف دينار من ماله وتركها عنده مدة، فاتفق أن شرب أبو مليح يوما وسكر وقال لندمائه: قد اشتهيت سمكا هاتم المقلى والنار حتى نقليه بحضرتنا، فجاءوه بمقلى حديد وفحم وتركوه على النار، وجاء بتلك السمكة العنبر فتركها في المقلى، فجعلت تتقلى وتفوح روائحها حتى لم يبق بمصر دار إلا ودخلتها تلك الرائحة، وكان بدر الجمالي جالسا فشمّ تلك الرائحة وتزايدت، فاستدعى الخزّان وأمرهم بفتح خزائنه وتفتيشها خوفا من حريق قد يكون وقع فيها، فوجدوا خزائنه سالمة، فقال: ويحكم انظروا ما هذا، ففتشوا حتى وقعوا على حقيقة الخبر، فاستعظم، وقال: هذا النصرانيّ الفاعل الصانع قد أكل أموالي واستبدّ بالدنيا دوني حتى أمكنه أن يفعل مثل هذا، وتركه إلى الغداة، فلما دخل إليه وهو مغضب قال له:
ويحك أستعظم أنا وأنا ملك مصر شرى سمكة من العنبر فأتركها استكثارا لثمنها فتشتريها أنت، ثم لا يقنعك حتى تقليها وتذهب في ساعة ألف دينار مصرية؟! ما فعلت هذا الا وقد نقلت بيت أموالي إليك وفعلت، فقال له: والله ما فعلت هذا إلا غيرة عليك ومحبة لك، فإنك اليوم سلطان نصف الدنيا، وهذه السمكة لا يشتريها إلا ملك، فخفت ان يذهب بها إلى بعض الملوك ويخبره بأنك استعظمتها ولم تشترها، فأردت أن أعكس الأمر وأعلمه أنك ما تركتها إلّا احتقارا لها، وأنها لم يكن لها عندك مقدار، وأنّ كاتبا نصرانيا من كتابك اشتراها وأحرقها، فيشيع بذلك ذكرك، ويعظم عند الملوك قدرك. فاستحسن بدر ذلك منه وأمر له بضعفي ثمنها وزاد في رزقه.
وكان مماتي مع ذلك كريما ممدّحا قد مدحه الشعراء، فذكر أبو الصلت «١» في «كتاب الرسالة المصرية»«٢» له أن أبا طاهر إسماعيل بن محمد الشاعر المعروف بابن مكنسة كان منقطعا إليه، فلما مات مماتي رثاه ابن مكنسة بقصيدة منها: