منشأه البصرة، وأخذ الفقه على مذهب مالك عن أحمد بن المعذّل، وتقدم في هذا المذهب «١» حتى صار علما فيه، ونشر من مذهب مالك وفضله ما لم يكن بالعراق في وقت من الأوقات، وصنّف في الاحتجاج لمذهب مالك والشرح له ما صار لأهل هذا المذهب مثالا يحتذونه وطريقا يسلكونه، وانضاف إلى ذلك علمه بالقرآن فإنّه صنّف في القرآن كتبا تتجاوز كثيرا من الكتب المصنفة فيه، فمنها كتاب في أحكام القرآن، وهو كتاب لم يسبقه أحد من أصحابه إلى مثله. وكتاب في القراءات، وهو كتاب جليل القدر عظيم الخطر. وكتاب في معاني القرآن، وهذان الكتابان يشهد بفضله فيهما واحد زمانه «٢» ، ومن انتهى إليه العلم في النحو واللغة في أوانه، وهو المبرد.
ورأيت أبا بكر ابن مجاهد يصف العلم بهذين «٣» الكتابين، وسمعته مرّات لا أحصيها يقول: القاضي إسماعيل أعلم مني بالتصريف. وبلغ من العمر ما صار به واحدا في عصره في علوّ الإسناد، لأن مولده في سنة تسع وتسعين ومائة، فحمل الناس عنه من الحديث الحسن ما لم يحمل عن كثير أحد، وكان الناس يصيرون إليه فيقتبس منه كلّ فريق علما لا يشاركه فيه الآخر فمن قوم يحملون الحديث، ومن قوم يحملون علم القرآن والقراءات والفقه إلى غير ذلك مما يطول شرحه، فأما سداده في القضاء، وحسن مذهبه فيه، وسهولة الأمر عليه فيما كان يلتبس على غيره، فشيء شهرته تغني عن ذكره. وكان في أكثر أوقاته وبعد فراغه من الخصوم متشاغلا بالعلم لأنه اعتمد على كاتبه «٤» أبي عمر محمد بن يوسف فكان يحمل عنه أكثر أمره من لقاء السلطان وينظر في كلّ أمره، وأقبل هو على الحديث والعلم. قال أبو العباس محمد بن يعقوب الأصمّ: كان إسماعيل بن إسحاق نيفا وخمسين سنة على القضاء ما عزل عنه «٥» إلا سنتين. قال الخطيب «٦» : وهذا القول فيه تسامح، وذلك أنّ ولاية إسماعيل للقضاء ما