وكان نصرانيا، فقام له ورحب به، فرأى إنكار الشهود ومن حضره، فلما خرج قال لهم: قد علمت إنكاركم وقد قال الله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم
(الممتحنة: ٨) وهذا الرجل يقضي حوائج المسلمين، وهو سفير بيننا وبين خليفتنا، وهذا من البر، فسكتت الجماعة.
قرأت بخط أبي سعد السمعاني باسناد له رفعه إلى أبي العباس ابن الهادي قال:
كنت عند إسماعيل بن إسحاق القاضي في منزله، فخرج يريد صلاة العصر ويدي في يده، فمرّ بابن البري وكان غلاما جميلا فنظر إليه فقال وهو يمشي إلى المسجد:
لولا الحياء وأنني مشهور ... والعيب يعلق بالكبير كبير
لحللت منزلها الذي تحتلّه ... ولكان منزلنا هو المهجور
وانتهى إلى مسجد على باب داره فقال: الله أكبر الله أكبر، ثم مرّ في أذانه؛ والشعر لابراهيم بن المهدي.
وحكى أبو حيان هذه الحكاية كما مرّ وزاد فيها: فقيل له افتتحت الأذان بقول الشعر؟ فقال: دعوني فو الله لو نظر أمير المؤمنين إلى ما نظرت إليه لشغله عن تدبير ملكه، قيل له: فهل قلت شيئا آخر فيه؟ قال: نعم أبيات عبثت بي وأنا في المحراب فما استتممت قراءة الحمد حتى فرغت منها، وهي:
ألحاظه ترجمان منطقه ... ووجهه نزهة لعاشقه
هذّبه الظرف والكمال فما ... يمرّ عيب على طرائقه
قد كثرت قالة العباد فما ... تسمع إلا سبحان خالقه
ومن «كتاب القضاة» لابن سمكة قال: لما مات إسماعيل بن إسحاق بقيت بغداد ثلاثة أشهر بغير قاض حتى ضجّ الناس ورفع إلى المعتضد، فاختار عبيد الله بن سليمان ثلاثة قضاة: أبا حازم وعليّ بن أبي الشوارب ويوسف، وهو ابن عم إسماعيل بن إسحاق، فولّى أبا حازم الكرخ، وابن أبي الشوارب مدينة المنصور، ويوسف الجانب الشرقي. قال: وأخبرني الثقة أن إسماعيل دخل على الموفق فقال له: ما تقول في النبيذ؟ فقال: أيها الأمير إذا أصبح الإنسان وفي رأسه شيء منه يقال له ماذا؟ فقال الموفق: يقال هو مخمور، قال: فهو كاسمه.