قد زرته فرأيت «١» الناس في رجل ... والدهر في ساعة والفضل في دار
قد طبع من حسن الأخلاق وسجاحة «٢» الأعراق وحسن البشر وكرم الطبع وحياء الوجه وحبّ الغرباء على ما لا نراه متفرّقا في خلق كثير، وهو مع ذلك أعلم الناس يقينا بالأنساب والنحو واللغة والشعر والأصول والنجوم. وقد تفرّد بهذا البلد بالتصدّر لاقراء العلوم على اختلافها في منزل ينتابه الناس على حسب أغراضهم، فمن قارىء للغة، ومتعلّم في النحو، ومصحّح للغة، وناظر في النجوم، ومباحث في الأصول وغير ذلك من العلوم. وهو مع سعة علمه متواضع حسن الأخلاق لا يرد غريب إلا عليه، ولا يستفيد مستفيد إلّا منه.
وأنشدني أدام علوه لنفسه:
قولوا لمن لبّي في حبّه ... قد صار مغلوبا ومسلوبا
وفي صميم القلب مني أرى ... هواه والإيمان مكتوبا
وصحّتي في عشقه صيّرت ... جسمي معلولا ومعيوبا
ومدمعي منهمرا ماؤه ... منهملا في الخدّ مسكوبا
وأنشدني أدام الله علوه لنفسه:
والعين يحجبها لألاء وجنته ... من التأمّل في ذا المنظر الحسن
بل عبرتي منعت لو نظرتي عبرت ... إليه من مقلتي إلا على الشّفن
لولا تجشّمه بالإبتسام وما ... أمدّه الله عند النطق باللسن
لما عرفت عقيقا شقّه درر ... ولم يبن فوه نطقا وهو لم يبن
حدثني عزيز الدين رحمه الله قال: لما ورد الفخر الرازي إلى مرو، وكان من جلالة القدر وعظم الذكر وضخامة الهيبة بحيث لا يراجع في كلامه، ولا يتنفّس أحد بين يديه لإعظامه على ما هو مشهور متعارف، دخلت إليه، وترددت للقراءة عليه،