وأكابرهم من أولاد الأمراء يعدون بين يديه كما تعدو الركابية. وكان عضد الدولة يخاطب شيخنا خطابا لا يشرك معه فيه إلا أنه كان يقلّ مكاتبته، وكانت الكتب من عضد الدولة إنما ترد على لسان كاتبه أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف.
ولما وجدت الشعراء لبضائعها عند ابن عباد نفاقا وسوقا أهدوا نتائج أفكارهم إلى حضرته وساقوها نحوه سوقا. فذكر الثعالبي قال «١» : واحتفّ به من نجوم الأرض وأفراد العصر وأبناء الفضل وفرسان الشعر من يربي عددهم على شعراء الرشيد، ولا يقصّرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي، وملك رقّ المعاني، فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء والملوك مثل ما اجتمع بباب الرشيد من فحولة الشعراء المذكورين، كأبي نواس وأبي العتاهية والعتابي والنمري ومسلم بن الوليد وأبي شيص وابن أبي حفصة ومحمد بن مناذر، وجمعت حضرة الصاحب بأصبهان والري وجرجان مثل أبي الحسين السلامي وأبي سعيد الرستمي وأبي القاسم الزعفراني وأبي العباس الضبي والقاضي الجرجاني وأبي القاسم ابن أبي العلاء وأبي محمد الخازن وأبي هاشم العلوي وأبي الحسن الجوهري وبني المنجم وابن بابك وابن القاشاني والبديع الهمذاني وإسماعيل الشاشي وأبي العلاء الأسدي وأبي الحسن الغويري وأبي دلف الخزرجي وأبي حفص الشهرزوري وأبي معمر الاسماعيلي وأبي الفياض الطبري وغيرهم ممن لم يبلغني ذكره أو ذهب عني اسمه، ومدحه مكاتبة الرضيّ الموسوي وأبو إسحاق الصابىء وابن الحجاج وابن سكرة وابن نباتة وغيرهم ممن يطول ذكره.
وكتب أبو حفص الأصفهاني «٢» الوراق إلى الصاحب رقعة نسختها: لولا أن الذكرى- أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل- تنفع المؤمنين، وهزّ الصمصام يعين المصلتين، لما ذكّرت ذاكرا، ولا هززت ماضيا، ولكن ذا الحاجة يستعجل النّجح، ويكدّ الجواد السمح، وحال عبد مولانا في الحنطة متخلفة، وجرذان داره عنها منصرفة، فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله، فلم يشدّ رحله، فعل إن شاء الله تعالى. فوقع على رقعته: أحسنت يا أبا حفص قولا، وسنحسن فعلا، فبشر