للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعيد بن مسعدة الأخفش انا وأبو الفضل الرياشي، فقال الأخفش: إن «منذ» إذا رفع بها فهي اسم مبتدأ وما بعدها خبرها كقولك ما رأيته منذ يومان، فإذا خفض بها فهي حرف معنى ليس باسم كقولك ما رأيته منذ اليوم، فقال له الرياشي: فلم لا تكون في الموضعين اسما، فقد نرى الأسماء تخفض وتنصب كقولك هذا ضارب زيدا غدا وضارب زيد أمس، فلم لا تكون بهذه المنزلة؟ فلم يأت الأخفش بمقنع. قال أبو عثمان: فقلت له لا تشبه «منذ» ما ذكرت، لأنا لم نر الأسماء هكذا تلزم موضعا إلا إذا ضارعت حروف المعاني، نحو أين وكيف، فكذلك «منذ» هي مضارعة لحروف المعاني فلزمت موضعا واحدا؛ قال الطبري، فقال ابن أبي زرعة للمازني: أفرأيت حروف المعاني تعمل عملين مختلفين متضادّين؟ قال: نعم كقولك قام القوم حاشا زيد وحاشا زيدا، وعلى زيد ثوب وعلا زيد الفرس، فتكون مرة حرفا ومرة فعلا بلفظ واحد.

وحدث المبرد قال: سمعت المازني يقول معنى قولهم «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» أي إذا صنعت ما لا يستحى من مثله فاصنع منه ما شئت وليس على ما يذهب العوام إليه، قلت: وهذا تأويل حسن جدا.

قال أبو القاسم الزجاجي، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري قال: حضرت مجلس ابي عثمان المازني وقد قيل له: لم قلّت روايتك عن الأصمعي؟ قال: رميت عنده بالقدر والميل إلى مذاهب أهل الاعتزال، فجئته يوما وهو في مجلسه فقال لي: ما تقول في قول الله عز وجل إنا كل شيء خلقناه بقدر

(القمر: ٤٩) قلت: سيبويه يذهب إلى أنّ الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاستعمال الفعل المضمر، وأنه ليس ها هنا شيء هو بالفعل أولى، ولكن أبت عامّة القراء الا النصب، ونحن نقرؤها كذلك اتباعا لأنّ القراءة سنة، فقال لي: فما الفرق بين الرفع والنصب في المعنى؟ فعلمت مراده فخشيت أن يغري بي العامة، فقلت:

الرفع بالابتداء والنصب باضمار فعل وتعاميت عليه، فقال: حدثني جماعة من أصحابنا أن الفرزدق قال يوما لأصحابه: قوموا بنا إلى مجلس الحسن البصري، فإني أريد أن أطلّق النوار وأشهده على نفسي، فقالوا له: لا تفعل فلعلّ نفسك تتبعها وتندم، فقال: لا بد من ذلك، فمضوا معه، فلما وقف على الحسن قال له: يا أبا سعيد

<<  <  ج: ص:  >  >>