قتله، فحمل عليّ وحملت عليه حتى خرّ صريعا» قال المبرد: فبقيت متحيّرا، فبدر بندار وقال: يا أمير المؤمنين في هذا نظر ورويّة، فقال: قد أجّلتكما بياض يومي، فانصرفا وباكراني غدا، فخرجنا من عنده وأقبل بندار عليّ وقال: إن ساعدك الجد ظفرت بهذا الخبر، فاطلب فإني طالبه، فانقلبت إلى منزلي وقلبت الدفاتر ظهرا لبطن حتى وقفت على هذا الخبر في أثناء أخبار الأعراب، فتحفظته وباكرت بندار فأنهضته معي وصبّحناه، وبدأت فرويت الخبر، ثم فسرت ألفاظه فالتفت إلى بندار وقال: ابن يزيد فوق ما وصفتم، ثم قال يا غلام: عليّ بالخازن، فحضر فقال له: أخرج إلى ابن يزيد ألفي دينار وقل للحاجب يسهّل إذنه عليّ، فصار ذلك أصل مالي، وكان بندار رحمه الله أصله وسببه.
قرأت بخط عبد السلام البصري في «كتاب عقلاء المجانين» لأبي بكر ابن محمد الأزهري حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال: كنت يوما في مجلس بندار بن لره الكرخي بحضرة منزله في درب عبد الرحيم الرزامي بدكان الأبناء، وعنده جماعة من أصحابه، إذ هجم علينا المسجد برذعة الموسوس، ومعه مخلاة فيها دفاتر وجزازات، وقد تبعه الصبيان، فجلس إلى جانب بندار، وكأنّ بندارا فرق منه، فقال: اطرد ويلك هؤلاء الصبيان عنّي، فقال لنا: اطردوهم عنه، فوثبت أنا من بين أهل المجلس فصحت عليهم وطردتهم، فجلس ساعة ثم وثب فنظر هل يرى منهم أحدا، فلما لم يرهم رجع فجلس ساعة ثم قال: اكتبوا: حدثني محمد بن أحمد بن عسكر بن عبد الرزاق عن معمر قال: سئل الشعبي ما اسم امرأة ابليس فقال: هذا عرس لم أشهد إملاكه. ثم أقبل على بندار فقال: يا شيخ ما معنى قول الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
فقال لنا بندار: أجيبوه، فقال: يا مجنون أسألك ويجيب غيرك؟! فقال بندار:
يقول إنه لما رآها فعلت ما فعلته من سفورها، ولم تكن تعهد به، علم أنها قد حذرته من بحضرتها ليحجم عن كلامها وانبساطه إليها؛ فضحك ومسح يده على رأس بندار وقال: أحسنت يا كيّس، وكان بندار قد قارب في ذلك الوقت تسعين سنة «١» .