فقال: ما أعهد لي شعرا إلا ثلاثة أبيات قلتها في الشيب، وهي قولي:
خضبت الشيب لما كان عيبا ... وخضب الشيب أولى أن يعابا
ولم أخضب مخافة هجر خلّ ... ولا عيبا خشيت ولا عتابا
ولكنّ المشيب بدا ذميما ... فصيرت الخضاب له عقابا
فاستحسناها وكتبناها عنه، أو كما قال، لأني كتبتها في المفاوضة ولم أنقل ألفاظها.
أخبركم أبو الحسن علي بن عمر الفرّاء عن أبي الحسين نصر بن أحمد بن نوح المقرىء، قال: أنبأنا أبو الحسن علي بن عبيد الله السمسمي اللغوي ببغداد، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي قال: جئت إلى أبي بكر السراج لأسمع منه الكتاب، وحملت إليه ما حملت، فلما انتصف الكتاب عسر عليه في تمامه، فقطعت عنه لتمكني من الكتاب، فقلت لنفسي بعد مدة: إن سرت إلى فارس وسئلت عن تمامه، فإن قلت: نعم كذبت، وإن قلت لا سقطت الرواية والرحلة، ودعتني الضرورة فحملت إليه رزمة، فلما أبصرني من بعيد أنشد «١» :
وكم تجرعت من غيظ ومن حزن ... إذا تجدّد حزن هوّن الماضي
وكم غضبت فما باليتم غضبي ... حتى رجعت بقلب ساخط راضي
قرأت بخط الشيخ أبي محمد الخشاب: كان شيخنا- يعني أبا منصور موهوب بن الخضر الجواليقي- قلّ ما ينبل عنده ممارس للصناعة النحوية ولو طال فيها باعه، ما لم يتمكن من علم الرواية وما تشتمل عليه من ضروبها، ولا سيما رواية الأشعار العربية وما يتعلق بمعرفتها من لغة وقصة، ولهذا كان مقدّما لأبي سعيد السيرافي على أبي علي الفارسي رحمهما الله، وأبو علي أبو عليّ في نحوه، وطريقة أبي سعيد في النحو معلومة، ويقول: أبو سعيد أروى من أبي علي، وأكثر تحققا بالرواية، وأثرى منه فيها، وقد قال لي غير مرة: لعلّ أبا علي لم يكن يرى ما يراه أبو سعيد من معرفة هذه الاخباريّات والأنساب وما جرى في هذا الأسلوب كبير أمر؛