المجلس على الأسماع المصيخة، والعيون المحدقة، والعقول الجامّة «١» ، والألباب الناقدة، لأن هذا يستصحب الهيبة والهيبة مكسرة، ويجتلب الحياء والحياء مغلبة، وليس البراز في معركة غاصّة، كالصراع في بقعة خاصّة «٢» . فقال ابن الفرات: أنت لها يا أبا سعيد، فاعتذارك عن غيرك يوجب عليك الانتصار لنفسك، والانتصار لنفسك راجع على الجماعة بفضلك. فقال أبو سعيد: مخالفة الوزير فيما يأمره «٣» هجنة، والاحتجان عن رأيه إخلاد إلى التقصير، ونعوذ بالله من زلّة القدم، وإيّاه نسأل حسن التوفيق في الحرب والسلم. ثم واجه متّى فقال: حدثني عن المنطق ما تعني به، فإنا إذا فهمنا مرادك فيه كان كلامنا معك في قبول صوابه وردّ خطأه على سنن مرضيّ وعلى طريقة معروفة. قال متى: أعني به أنه آلة من الآلات يعرف به صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه، كالميزان فإني أعرف به الرجحان من النقصان والشائل من الجانح. فقال له أبو سعيد: أخطأت لأن صحيح الكلام من سقيمه يعرف [بالنظم المألوف والاعراب المعروف إذا كنا نتكلم بالعربية؛ وفاسد المعنى من صالحه يعرف] بالعقل إن كنا نبحث بالعقل. وهبك عرفت الراجح من الناقص من طريق الوزن من لك بمعرفة الموزون أهو حديد أو ذهب أو شبه أو رصاص، وأراك بعد معرفة الوزن فقيرا إلى معرفة جوهر الموزون، وإلى معرفة قيمته وسائر صفاته التي يطول عدّها، فعلى هذا لم ينفعك الوزن الذي كان عليه اعتمادك، وفي تحقيقه كان اجتهادك، إلا نفعا يسيرا من وجه واحد، وبقيت عليك وجوه، فأنت كما قال الأول «٤» .
حفظت شيئا وضاعت منك أشياء
وبعد، فقد ذهب عليك شيء ها هنا: ليس كلّ ما في الدنيا يوزن، بل فيها ما يوزن، وفيها ما يكال، وفيها ما يذرع، وفيها ما يمسح، وفيها ما يحزر، وهذا وإن ١٤.