وقدّر المعنى على اللفظ فلا ينقص منه- هذا إذا كنت في تحقيق شيء على ما هو به، فأما إذا حاولت فرش المعنى وبسط المراد فاجل «١» اللفظ بالروادف الموضحة والأشباه المقربة والاستعارات الممتعة، وشدّ «٢» المعاني بالبلاغة، أعني لوّح منها شيئا حتى لا تصاب إلا بالبحث عنها والشوق إليها لأن المطلوب إذا ظفر به على هذا الوجه عز وجلّ، وكرم وعلا، واشرح منها شيئا حتى لا يمكن أن يمترى فيه أو يتعب في فهمه أو يعرّج «٣» عنه لاغتماضه فبهذا المعنى يكون جامعا لحقائق الأشياء ولأشباه الحقائق، وهذا باب إن استقصيته خرج عن نمط ما نحن عليه في هذا المجلس. على أني لا أدري أيؤثر فيك ما أقول أم لا.
ثم قال: حدثنا هل فصلتم قط بالمنطق بين مختلفين، أو رفعتم بالخلاف بين اثنين، أتراك بقوة المنطق وبرهانه اعتقدت أن الله ثالث ثلاثة، وأن الواحد أكثر من واحد، وأن الذي هو أكثر من واحد هو واحد، وأن الشرع ما تذهب إليه والحق ما تقوله؟! هيهات، ها هنا أمور ترتفع «٤» عن دعوى أصحابك وهذيانهم، وتدقّ عن عقولهم وأذهانهم. ودع هذا: ها هنا مسألة قد أوقعت خلافا، فارفع ذلك الخلاف بمنطقك، قال قائل: لفلان من الحائط إلى الحائط، ما الحكم فيه وما قدر المشهود به لفلان، فقد قال ناس: له الحائطان معا وما بينهما، وقال آخرون: له ما بينهما، وقال آخرون: له النصف من كل واحد منهما، وقال آخرون: له أحدهما، هات الآن آيتك الباهرة، ومعجزتك القاهرة، وأنى لك بهما، وهذا قد بان بغير نظرك ونظر أصحابك. ودع هذا أيضا: قال قائل: من الكلام ما هو مستقيم حسن، ومنه ما هو مستقيم كذب، ومنه ما هو خطأ، فسّر هذه الجملة، واعترض عليه عالم آخر فاحكم أنت بين هذا القائل والمعترض، وأرنا قوة صناعتك التي تميز بها بين الخطأ والصواب وبين الحق والباطل، فإن قلت: كيف أحكم بين اثنين أحدهما قد سمعت مقالته