والفساد والفسالة والسخف، ولولا التوقي من التطويل لسردت ذلك كله. ولقد مرّ بي في خطه: التفاوت في تلاشي الأشياء غير محاط به لأنه يلاقي الاختلاف في الأصول والاتفاق في الفروع، وكل ما يكون على هذا النهج فالنكرة تزاحم عليه المعرفة، والمعرفة تناقض النكرة، على أن النكرة والمعرفة من باب الألسنة العارية من ملابس الأسرار الإلهية، لا من باب الإلهية العارضة في أحوال البشرية «١» . ولقد حدثني أصحابنا الصابئون عنه بما يضحك الثكلى، ويشمت العدوّ ويغمّ الصديق، وما ورث هذا كله إلا من بركات يونان وفوائد الفلسفة والمنطق، ونسأل الله عصمة وتوفيقا نهتدي بهما إلى القول الراجع إلى التحصيل، والفعل الجاري على التعديل، إنه سميع مجيب.
قال أبو حيان: هذا اخر ما كتبت عن علي بن عيسى الشيخ الصالح باملائه، وكان أبو سعيد روى لمعا من هذه القصة، وكان يقول: لم أحفظ عن «٢» نفسي كلّ ما قلت، ولكن كتب ذلك القوم الذين حضروا في ألواح كانت معهم ومحابر أيضا، وقد اختل [عليّ] كثير منه.
قال علي بن عيسى: وتقوّض المجلس وأهله يتعجبون من جأش أبي سعيد ولسانه المتصرف ووجهه المتهلل وفوائده المتتابعة. وقال له الوزير ابن الفرات: عين الله عليك أيها الشيخ، فقد ندّيت أكبادا، وأقررت عيونا، وبيضت وجوها، وحكت طرازا لا تبليه الأيام ولا يتطرقه الحدثان.
قال: قلت لعلي بن عيسى: وكم كان سن أبي سعيد يومئذ؟ قال مولده سنة ثمانين ومائتين، وكان له يوم المناظرة أربعون سنة، وقد عبث الشيب بلهازمه، هذا مع السمت والوقار والدين والجد، وهذا شعار أهل الفضل والتقدم، وقلّ من تظاهر به وتحلى بحليته إلا جلّ في العيون، وعظم في الصدور والنفوس، وأحبته القلوب وجرت بمدحه الألسنة.