للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنّ سحر بلاغة في لفظه ... أخذ تعقّدها نوافث بابل

وكان خرج من بغداد حاجّا في سنة تسع وثمانين وخمسمائة أو نحوها فجاور بمكة، ثم صار منها إلى الشام وأقام بحلب مدة، ثم انتقل إلى مصر فسكنها إلى أن مات بها في ثامن عشر رمضان سنة ست وتسعين وخمسمائة عن سبع وستين سنة، ودفن بالقرافة، حدث بذلك ابنه أبو منصور علي.

وقرأت بخط ابن أبي سالم الذي لا أرتاب به ما صورته: نسخة كتاب كتبته إلى القاضي الفاضل عند قدومي من الحجاز إلى مصر في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة: لو كانت المودات- أطال الله بقاء المجلس السامي في نعمة خصيبة المرتع، وعيشة عذبة المنبع، وأدام علاه في سعادة لا تتطرق إلى ضافي بردها السابغ حوادث الأقدار، ولا يتطرّق صافي وردها السائغ بحوادث الأكدار، وحرس مواهبه لديه ما لزم السكون أول المشدّدين، ولا زالت ثاوية بجنابه حتى يلتقي المخفّفان من كلمتين، ولا فتئت منح التوفيق مصاحبة له ما اشتبه الذاتي بالعرض اللازم، وذم المفرط أمره وأحمده الحازم- لا تقرع أبوابها، ولا يتدرع زينة لبوسها وأثوابها إلا عن معرفة في المشاهد سابقة، أو ماتّة قائدة أو ذريعة سائقة ... [١]

التعاضد والتضافر.... [١] سابق للصفة، وإنما للنفوس سرائر أهواء تحنّ إلى التداني وإن تباعدت الشعوب وتنازحت الديار، كما لتباينها أسباب تتنافر من أجلها وإن تقاربت الأنساب وتناوحت المقارّ، والفضائل الفاضلية القريرة، والمناقب الشهيرة، التي قد سار ذكرها في الآفاق سير القمر، وعطل مزيتها مرويّ السير، وتليت محاسنها كما تتلى السور، وصار الفوز بمناسمة ريّاها من أفضل ما أسفر عنه سفر، ولو عاينها الصّدر الأول لمدح في دراستها السهر، وما جدب السمر، فلا غرو أن تحنّ النفوس إلى محلّ كمالها، ومأوى توافر أضدادها التي انفرد بجمالها، ومثوى مواهبها التي هبطت اليه من المحلّ الأرفع لما سمّي لها وسما لها، ومن هو أمينها المصدق لظنونها ويمينها إذا كان غيره يمينها وشمالها، وقد زادها إفراط حبّ التبيان، فلله درّ ذلك


[١] بياض في م.

<<  <  ج: ص:  >  >>