وكان شيخا فاضلا، كبيرا محترما، قد أخذ بأطراف العلوم على اختلافها، وغلب عليه اسم الطّبّ، وله في كل نوع تصنيف مأثور. وكان له دكان برأس المربّعة يقعد فيه للتطبب يؤذي الناس ويشتمهم إذا سئل عن شيء من المداواة. وكان ينظر في الخزانة التي عملت يرسم الكتب في المدرسة الخاتونيّة وهي يومئذ معمورة بالكتب ينتابها الفضلاء ويلتذ بها العلماء، حتى أغار خوارزمشاه على مرو وفي صحبته الرشيد الوطواط كاتبه فدخلها وانتخب من محاسن كتبها ونقلها الى خوارزم وتركها صفرا.
وكان القطان قد وقف فيها من كتب نفسه الكثير، فبين القطان والوطواط في ذلك رسائل معروفة وأجوبة مشهورة يدعي القطان عليه أنه انتهب كتبه وأغار على ثمرة عمره وما جمعه في سالف أيامه، والرشيد يتبرأ من ذلك ويحلف له أنه ما فعل.
وكنت عند كوني بمرو عرض عليّ شيخنا فخر الدين أبو المظفر عبد الرحيم بن تاج الاسلام أبي سعد السمعاني- تغمدهما الله برحمته- جزءا يشتمل على رسائل للحسن القطان إلى الرشيد الوطواط، محشوة بالسبّ له والثلب تصريحا لا تعريضا، ويلزمه الحجة في أنه نهب كتبه وسلبه نتيجة عمره، ويستحسب الله عليه، وضاق نطاق الزمان من تحصيلها وكتبها، وقلت:
وكم منية خلّفت خلفي وبغية ... ومن حاج نفس حال من دونها الترك
إذا ذكرتها النفس حنّت وأرزمت ... وودّت لفرط الوجد أدركها الفتك
سلام على تلك الديار وقدّست ... نفوس بمثواها ثوى العلم والنسك
وبقيت نفسي إليها متطلعة، وإلى مكنونها ملتفتة، فظفرت برسائل الرشيد محمد بن محمد بن عبد الجليل العمري البلخي المعروف بالوطواط متضمنة الأجوبة عنها يدلّ آخرها على إضراب الحسن القطّان عن تهمته والإذعان بابراء ساحته.
نسخة الرسالة الأولى [١] : بسم الله الرّحمن الرّحيم، قرع سمعي من أفواه الواردين وألسنة الطارئين على خوارزم أنّ سيدنا- أدام الله فضله- كلّما تفرّغ من مهمّات نفسه، ووظائف درسه، يقبل بمجامعه على أكل لحمي، والإطناب في سبّي