للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسافرين والمرضى، فأما غير ذلك فلا". (١)

فنرى في هذا أن السؤال قد انتهى إلى تحديد كلام مالك عند منطوقه، وأنه لا يرى حالاتِ الاضطرار كلَّها مبيحةً لصلاة الظهر جماعةً يوم الجمعة إلا الأعذار الثلاثة التي حصر الأمر فيها.

ولقد انتشر المذهب المالكي وتفرع في هذا الدور، وكثرت فيه التخاريج والآراء، وتعددت الاصطلاحات وتداخلت بين المدوَّن من كلام مالك واللاحق به من تفسير وبيان أو اجتهاد مخالف لاجتهاده، فاحتاج إلى مزيد الضبط وتجديد التخليص والتهذيب، حتى تتحد الصور، وينسجم التعبير، ويتألف ما تفرق بين الأسمعة، ويجتمع ما تشتت من الأقوال. فكانت القيروان في القرن الرابع هي التي وفت للمذهب المالكي في عامة مراكزه شرقًا وغربًا بهذه الحاجة، وكان الذي تولى إمامة المذهب في هذا الدور الهام هو الشيخ أبو محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني. فلقد قال القاضي عياض في ترجمته لترتيب المدارك: "إمام المالكية في وقته، وقدرتهم، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله". (٢)

فكان ابن أبي زيد - بسعة فقهه، وفصيح بيانه، وقوة تحريره - هو الذي ضبط المصطلح الفقهي في المذهب المالكي الضبطَ الدقيق المتين. وفي مقامه الأدبي يقول عياض: " [وكان] فصيحَ القلم، ذا بيان ومعرفة بما يقوله. . . يقول الشعر ويجيده"، فكان أثره من فقه الأدباء لا من أدب الفقهاء، فهو كما يقول عياض: "الذي لخص المذهب وضم كسره". (٣) فعمد إلى تلخيص المستخرجة، وألف كتاب النوادر والزيادات على المدونة، وألف كتابه الشهير السائر في الأمصار والأعصار: كتاب الرسالة.


(١) ابن رشد: البيان والتحصيل، "كتاب الصلاة الرابع"، ج ٢، ص ٦٠. - المحقق.
(٢) اليحصبي: ترتيب المدارك، ج ٢، ص ٤٩٢. - المحقق.
(٣) المرجع نفسه، ص ٤٩٢ - ٤٩٣. وما بين حاصرتين من كلام عياض ولم يورده المصنف. - المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>