للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سموا دويبة من العنكبوت ليثًا، ثم شاع وصفُ الأسد بالليث حتى صار مرادفًا للأسد. وقد يتعاهدون الوصفيةَ فيجرونه صفة للأسد، كقول كعب بن زهير:

مِنْ خَادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ ... فِي بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ (١)

ويظهر ذلك في الغيث، فهو مرادف للمطر، لكنهم لا يستعملونه في المطر الضار كحجارة البرد. وفي القرآن: {أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} [الفرقان: ٤٠]، {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال: ٣٢] وقال: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد: ٢٠]، فسماه غيثًا؛ لأنه مطر نبات.

[المبحث الثالث: أسباب وقوع الترادف في اللغة]

السبب الأول: أن اللغة العربية قد تميزت عن أخواتها من اللغات السامية من حين انفصال العرب عن مواطن بقية الساميين لحلولهم في عربة، وهي تهامة (التي لأجلها سموا عربًا)، وهي الشاطئ الكائن على بحر القلزم (الأحمر) في جنوبه وشماله، وانتشروا حينئذ على ذلك الشاطئ، ثم على شاطئ بحر عدن. واستوطنوا ذلك الشاطئ وبعض سرواته، وهو بلاد اليمن، فتكلموا بلغتهم العربية العتيقة، أعني اللغة القحطانية. وتفرقوا قبائل، فنزلوا حضرموت، والأحقاف، وبلاد عمان، وبلاد البحرين، والسروات الفاصلة بين تِهامة والبحرين، وهي المسماة بنجد ثم بالحجاز.

وكانت لغتُهم متماثلةً متقاربة؛ إذ كانوا أمةً واحدة. ثم جاء إبراهيم بن تَارح العبري الكلداني (الخليل - عليه السلام -) بامرأته هاجر وابنه الغلام إسماعيل، فأودعهما بديار جُرهم في طريق تِهامة، بمحلٍّ يُقال له مكةَ أو بكة. فنزلت هاجر بغلامها في جوار


(١) البيت من قصيدة "بانت سعاد" التي قالها كعب - رضي الله عنه - في مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد جاء صدره في رواية السكري بلفظ: "مِنْ ضَيْغَمٍ مِنْ ضِرَاءِ الأُسْدِ مُخْدَرُهُ". السكري، أبو سعيد بن الحسن بن الحسين بن عبيد الله: شرح ديوان كعب بن زهير، تحقيق عباس عبد القادر (القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، ط ٣، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، ص ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>