للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنها لمَّا أرادت تشبيهَ القرآن في براعة مستمعه بالظبي في براعة المنظر، نبهت على أن الظبي قرآن يُصلى به. وإذا جُعل الترشيحُ استعارةً لم يبطل ترشيحُه للاستعارة الأولى؛ لأن استفادة الترشيح حاصلةٌ من صورة لفظه (١).

وما يجري من الترشيح والتجريد في المجاز المفرد يجري في التمثيل. فمثال التجريد فيه قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: ١٧]، فإن جمع الضمير مراعاة للمشبه لا للمشبه به؛ لأنه مفرد. ومثال ترشيح التمثيلية قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: ٣٨]، فجملة "اثاقلتم" تمثيلٌ لهيئتهم في التنصل من الخروج بهيئة الجسم الثقيل في صعوبة تنقله، وقوله: "إلى الأرض" ترشيح.

[الكناية]

[الكناية] هي ما يقابل التصريح، والمرادُ بها هنا لفظٌ أُرِيدَ به ملزومُ معناه، مع جواز إرادة المعنى اللازم. وبهذا القيد الأخير خالفت المجازَ المرسلَ الذي علاقتُه اللزوم (٢). والأصلُ فيها أن يُراد المعنى مع لازمه، ويكون اللازمُ هو المقصود الأول. فإن البدوي إذا قال: "فلان جبانُ الكلب ومهزولُ الفصيل" (٣)، أراد أن كلبه


= ص ١٦٢؛ النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب: نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق مفيد قمحية وزملائه (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٤)، ج ٧، ص ٦ - ٧.
(١) فلا يرد قولُ مَنْ قال: إن الترشيح إذا جعل استعارة لم يبق مستعملًا في ملائم المشبه به، بل في ملائم المشبه، فيصير تجريدًا. - المصنف.
(٢) ظفرت بمثال يتعين به أن يكون أريد لازم المعنى مع المعنى وذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)} [النجم: ٤٣]، أراد أفرح وأحزن والضحكَ والبكاءَ كذلك. - المصنف.
(٣) الفصيل هو ولد الناقة أو البقرة بعد فطامه وفصله عن أمه. وفي هذا الكلام كنايتان كلاهما عن الكرم، الأولى: "جبان الكلب"، ومعناها أن الكلب إذا تعود كثرةَ الضيفان فإنه يترك النباح، وبهذا يُستدل على أن المراد ليس الصفة المذكورة بل المقصود الكرم. والثانية: "مهزول الفصيل"، =

<<  <  ج: ص:  >  >>