قدمًا منهم في بلاد الأندلس؛ فإن توغل المسلمين في بلاد الأندلس وإن كان مفخرًا تاريخيًّا ومنبعًا لحضارة دامت عدةَ قرون، كان أيضًا غلطًا سياسيًّا، يشبه غلطَ المسيحيين في توغلهم في بلاد الشام ومصر في عهد الحروب الصليبية.
وقد ظهرت نتائجُ ذلك الغلط عندما ضعف نفوذُ الخلافة الإسلامية في الأندلس حين قيام عبد الرحمن بن معاوية الأموي باستقلال الأندلس، وزادت نتائجُ تلك الغلطة اتضاحًا عندما انفصلت إفريقية عن الخضوع إلى الخلافة الفاطمية في مدة المعز بن باديس الصنهاجي سلطان إفريقية، فلم يبق بين قوة المسلمين في الشرق وبين مسلمي الأندلس اتصال، وهناك انفتحت أبوابُ الخطوب على مسلمي الأندلس، وصارت بلادُهم تنقص من أطرافها.
وكان نشرُ سلطان المسلمين في أوروبا قد خطر ببال خلفاء الإسلام من عهد معاوية الأول الخليفة الإسلامي الأموي الجليل، إذ كانوا جرَّدوا حملاتٍ لفتح القسطنطينية في سنة ٣٢ هـ وفي سنة ٤٣ هـ وسنة ٥٠ هـ التي حضر فيها أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، فلم يخرج عملُ المسلمين في فتحها عن حيز المحاولة والمناوشة.
إن ما توالَى على المسلمين من الفتن الداخلية والحروب الخارجية في خلال القرنين السابع والثامن الهجريين، قد حال دونهم ودون التقدم في الحضارة ومجاراة جيرانهم في تناول ما انبلج عنه عصرُهم منها، إذ كانت همةُ المسلمين في تلك المدة منصرفةً إلى دفع العدو عن كيانهم، وفي ذلك ما يُلهيهم عن زيادة تحسن حالهم. وكان الترك هم أصحاب الزعامة الإسلامية في أواخر القرن الثامن، وقد بلغت فتوحُهم تخومَ أوروبا، إذ قد أخذ مراد خان الأول مدينة أدرنة وجعلها عاصمة ملكه سنة ٧٦٢ هـ.
[[المائة التاسعة]]
ثم صار الملك إلى ابنه بايزيد يلدرم فعظم ملكه، ولقب بلقب سلطان، فأخذ يستعد لفتح القسطنطينية ببناء أسطول بحري، ويستعد لفتح المجر حدود سنة