للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفقهوا حقيقته، فظنوه طاعةً لشخص الرسول، وأنه لما توفي فقد انحلّت ربقةُ الإيمان عنهم. ومثلُ هؤلاء وإن كثروا فلا تعجبك كثرتهم لجفائهم وجهلهم، ولذلك لما فهموا من تصدي المسلمين لقتالهم أن أمر الدين ليس باللعب كانوا سريعي الرجوع إلى الدين في أمدٍ وجيز.

[الباب الثالث: الخلافة الإسلامية]

قال: "لم نعرف مَن اخترع لأبي بكر لقب خليفة رسول الله، ولكنا عرفنا أن أبا بكر قد أجازه وارتضاه، ولا شك أن رسول الله كان زعيمًا للعرب ومناط وحدتهم، فإذا قام أبو بكر بعده ملكًا على العرب ساغ في اللغة أن يقال له خليفة رسول الله، فلا معنى لخلافته غير ذلك. ولهذا اللقب روعة، فلا غروَ أن يختاره الصديق وهو ناهضٌ بدولة حادثة بين قوم حديثي عهد بجاهلية، فهذا اللقب جدير بأن يكبح من جماحهم. وقد حمل هذا اللقبُ جماعةً على الانقياد لأبي بكر انقيادًا دينيًّا، لذلك سموا الخروجَ على أبي بكر خروجًا على الدين، ولذلك سموا الذين رفضوا طاعة أبي بكر مرتدين، ولعل جميعهم لم يكونوا في الواقع مرتدين. وقد رفض بيعةَ أبي بكر علي بن أبي طالب وسعد بن عبادة، فلم يوصفوا بأنهم مرتدون"، هذا كلامه في صحائف ٩٥ - ٩٦ - ٩٧.

أقول: إن الذي اخترع لأبي بكر لقب خليفة هو اللغة والقرآن؛ فإنه قد أقيم خلفًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تدبير أمر الأمة فهو خليفة، فلا يحتاج إطلاقُ هذا الوصف إلى اختراع أو وضع؛ إذ كلُّ مَنْ قام مقام غيره في علمه فهو خليفته، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} [يونس: ١٤] على أن القرآن قد علمهم أن يصفوا مَنْ أقامه الله لتدبير الخلق بوصف خليفة إذ قال: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: ٢٦].

وأما قوله: إن أبا بكر كان خليفةً؛ لأنه قام بعد رسول الله بزعامة العرب على وجه ملكي، فهو اضطرابٌ مع ما تقدم وما يأتي. فإنه قد منع سابقًا أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - زعامة سياسية، ومنع هنا وفيما يأتي أن تكون لأبي بكر زعامةٌ دينية، وأثبت فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>