للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب العاشر: التوسعُ في استعمال بعض الأفعال قاصرًا مرة ومتعديًا أخرى، مثل: عاد بمعنى رجع وعاد بمعنى زار، فإن أصله واحد مشتقٌّ من العود وهو الرجوع، تقول: عاد إلى وطنه. فلما استعملوه في العَود إلى زيارة مريض أو حبيب، قالوا: عاده متعديًا بحذف حرف جر على سبيل التوسع، كما قالوا: "تمرون الديارَ" (١)، غير أنهم التزموا حذفَ الحرف إذا أرادوا معنى الزيارة، حتى نشأ من ذلك معنى ثان لعاد.

محاولة العرب إيجاد فروق بين الألفاظ المشتركة (٢):

أحسب أن العرب أحسوا بما يحدثه الاشتراك من الإبهام على الأفهام، فأخذوا يودِعون في كلامهم فروقًا حسنة، لكنهم لم يطردوها ولم يكثروا منها, ولعلنا غفلنا


(١) من ذلك قول الشاعر:
تَمُرُّونَ الديَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا ... كَلَامُكُمُ عَلَيَّ إذَنْ حَرَامُ
هذا البيت نسبه ابن منظور والفيروز آبادي والزبيدي والبغدادي إلى جرير، وهي الرواية المشهورة عند النحاة، ومن قبل ذكر المبرد أنها رواية أهل الكوفة، ثم قال: إن هذه الرواية "ورواية بعضهم له: أتمضون الديار، فليس بشيء، لما ذكرت لك. والسماع الصحيح والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة". ثم قال: "قرأت على عُمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: مَرَرْتُمْ بالدِّيَارِ وَلَمْ تَعُوجُوا". وعبارة المبرد: "لما ذكرتُ لك" إشارة إلى قوله من قبل: "ولا يجوز: مررتُ زيدًا وأنت تريد: مررتُ بزيد؛ لأنه لا يتعدى إلا بحرف، وذلك أنه فعل الفاعل في نفسه، وليس فيه دليلٌ على مفعول. وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين، فيتعدى إلى أحدهما بحرف الجر، وإلى الآخر بنفسه؛ لأن قولك: اخترت الرجال زيدًا، قد علم بذكرك زيدًا أن حرف الجر محذوفٌ من الأول". ولكن بالرجوع إلى نشرة أمين طه لديوان جرير، وجدتُ صدرَ البيت محلِّ الشاهد مختلفًا عما هنا؛ إذ جاء فيه: أَتمضون الرُّسومَ ولَا تُحيَّى. والبيت هو السادس من قصيدة من بحر الوافر تشتمل على سبعة وأربعين بيتًا, ولم ينبه على اختلاف روايته محقق الديوان. المبرد: الكامل في اللغة والأدب، ج ١، ص ٦١ - ٦٢؛ ابن منظور: لسان العرب، ج ٥، ص ١٦٥؛ الزبيدي، السيد مرتضى الحسيني: تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق جماعة من العلماء (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ١٣٩٦/ ١٩٧٤ - ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ج ١٤، ص ١٠٢؛ ديوان جرير، تحقيق نعمان محمد أمين طه (الكويت: مطبعة حكومة الكويت، ١٣٨٥/ ١٩٦٥)، ص ٢٧٨ - ٢٨٤.
(٢) من أوائل مَنْ خص هذا المجال بالتأليف ابن قتيبة في كتابه "أدب الكاتب"، كما ألف فيه أبو هلال العسكري كتاب "الفروق اللغوية" وأبو البقاء الكفوي كتاب "الكليات".

<<  <  ج: ص:  >  >>