للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق النور المحمدي (١)

أحييكم تحيةً طيبة، وأدعو لكم بالتوفيق والتسديد،

قرأتُ في مجلة "هدى الإسلام" رغبتَكم مني في بيان حال الحديث الذي رواه عبد الرزاق بسنده إلى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في أولية خلق النور النبوي. ولولا سبقُ الخوض في هذا الحديث، لرأيت أجدرَ بأهل العلم من الأمة الإسلامية الاهتمامَ بتمحيص ما ينبني عليه عملٌ نجيح أو اعتقاد صحيح، وأن يوفروا زمانَهم فيما هم إليه أحوج، فإن الزمان نفيس.

إن ما اشتمل عليه الكتاب والسنة من أخبار عالم الغيب إنما قُصد منه لفتُ العقول والقلوب إلى ما وراء المحسوس حتى يؤمنوا به مجملًا، ثم يُقبلوا على تعلم علم يرجونه مني درايةً وعملًا. ولكن للعلم سلطانًا على جميع الحقائق، فإذا ثارت المناقشاتُ وتولدت المباحثات، فليس للعلماء ملازمةُ السكوت، وعليهم أن يمدوا طلبةَ الحقائق بتحقيق يُنْعشُ ويقيت. وإن قدَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدرٌ منيف، وهو فِي غُنيةٍ عن إمداده بحديث صحيح أو ضعيف. وإن الله خصَّ هذه الأمةَ بصحة الإسناد، وأغناها بمرعى السعدان عن مراعي القتاد. (٢) لذلك حق على علمائها إن عرض من


(١) هذا المقال جوابٌ عن استفسار موجَّه من أحد القراء إلى مجلة "هدى الإسلام". وقد اعتمدنا في ضبط نصه على كتاب "تحقيقات وأنظار"، ومن الراجح أنه نشر في المجلة نفسها، ولكن جامع الكتاب لَم يذكر العددَ الذي نشر فيه المقال ولا تاريخه.
(٢) يقال: "مرعًى ولا السعدان"، وهو مَثَلٌ يُضرَب للشيء يفضل على أقرانه. والسعدان: نبتٌ ذو شوك، وهو من أجود مراعي الإبل. والقتاد: نبتٌ له شوك كالإبر من الفصيلة القرنية، ومنه يستخرج أجود الصمغ. ومنه يضرب المثل: "من دونه خرطُ القتاد".

<<  <  ج: ص:  >  >>