للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بفروعها وأفنانها. فلأجل ما أودع الله في الفطرة البشرية من قابلية التناسل، جعل في الفطرة داعيةَ التزاوج بين الذكر والأنثى، لينساق المرءُ إلى السبب ثم إلى المُسَبَّبِ بحكمة خفية. فنشأ عن ذلك بالتدرج نظامُ الزوجية والقرابة، ونشأت عوائدُ الأسر والعائلات. ولِمُراعاتها في النفوس حصلت سننُ البر، والصلة، وحماية الحقيقة (أي العائلة وأهل البيت والقبيلة الشامل لها)، فكانوا يقولون: فلان حامي الحقيقة. (١)

[الأوهام التي علقت بالنسب]

٣ - ثم عَلِقت بآصرة النسب أوهامٌ من مبالغة أو زهادة، فأفسدت منها بعضَ ما كان صالِحًا في أصل الفطرة، فطرأت على الناس في مختلف العصور وتعاقب القرون أحداثٌ وأحوالٌ بين الأمم والقبائل جعلتْ من عدة أحوالٍ في النسب شكوكًا، وأخضعته لأهواء حتى صيّرت منه عبثًا ولعبًا.

فعالجتها الحكمةُ الإلهية بالإصلاح الديني بواسطة الرسل والأنبياء ومَنْ تبعهم من صالحي الحكماء، حتى أزاحت عنه ما ألصقه به أهلُ الجاهلية وغيرُهم من الذين امتلكتهم الأهواء والأوهام: خلطوا آصرةَ النسب بالأكاذيب والتدليس، فأرجعته شريعةُ الإسلام إلى المنهج الأقوم الذي فطره الله به. فلذلك لم تترك ثغرةً من الثُّغُرِ التي ينساب منها الباطلُ إليه إلا سدتها سدًّا محكمًا، وأوضحت ما تنقشع به ظلمةُ الباطل والشك.


(١) ومنه قول البَعيث بن حُريث الحنفي من بكر بن وائل من شعراء صدر الإسلام:
فَكُنْتُ أَنَا الْحَامِي حَقِيقَةَ وَائِلٍ ... كَمَا كَانَ يَحْمِي عَنْ حَقِيقَتِهَا أَبِي
المصنّف. - والبيت هو الأخير من أبيات عشرة أوردها أبو تمام في حماسته. المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ٣٧٦ - ٣٨١ (الحماسية ١٣٠). وانظر توسعَ المصنف في بحث هذه المعاني في: مقاصد الشريعة الإسلامية، ص ٤٣٠ - ٤٤٦. - المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>