سبرنا أغراضَ الإنسان، فوجدناه ظَمِئًا إلى ملائِمات نفسه كيفما اتفق، ومتى اتفق، وأين اتفق، غيرَ باحثٍ عما يتبع ذلك من المضار، فأردنا أن نبين هنا حقيقة اللذة، ثم نبحث عن مواقعها، وننظر فيما إذا كانت لذةً دائمة في هذا الكون الجثماني.
اضطربت آراءُ الناس - حتى الفلاسفة - في تشخيص معنى اللذة، وكلَّت أقلامُ الكتاب والشعراء دون ذلك. والذي نختار من بين كثرتها رأيان: أولهما يرى أن اللذة هي إدراكُ النفس ما يلائمها وتراه حسنًا، وثانيهما أنها التخلُّصُ من آلام طبيعية أو عارضة.
ونحن إن نقدنا الأقوال، ولم نذهب مع تَشَعُّبها، لا يعترضنا شكٌّ في الحق أن اللذة إدراكُ النفس ما يلائمها على ما رأى أهلُ الرأي الأول، وأن مَنْ حصر اللذةَ في التخلص من الألَم لَمْ يستقرئ في حدها استقراء تامًّا، كما يجب أن يكون التحديد للموجودات، إنما نظر إلى نحو النوم والأكل والشراب من كل لذة دعا إليها احتياج فطري، وضيق في دائرتها حتى كاد أن يخرج المعارف كلها عن اللذة.
نحن لا ننكر أن أكثر اللذات لا يفارقه الشعورُ بمبدأ ألَم، ولو بالأقل ألَم الشوق إلى نيل ما يلائم النفس، حتى ننكرَ على هذا القائل قولَه كله. ولكنَّا نعلم أن من اللذات ما ينساق إلى المرء بدون فكر سابق، وربما وقع منه موقعًا لا يقعه لو كان مترقَّبًا من قبل؛ فماذا ترون في هذا الإحساس؟
(١) السعادة العظمى، المجلد ١، العدد ١٩/ ٢٠، ١٦ شوال ١٣٢٢ هـ (ص ٣٠٤ - ٣١٠).