للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد العزيز، وظهر في خلال القرن الثاني محمد بن إدريس الشافعي وظهر في خلال القرن الرابع أبو حامد الغزالي. (١)

[كيف يكون مبدأ تعيين المائة السنة؟]

جاء في لفظ الحديث أن ظهورَ المجدد يكون على رأس كل مائة سنة، والرأس في كلام العرب يطلق على أول الشيء، يقال: فلان على رأس أمره، أي: أن أمره أُنُفٌ كأنه لم يكن له قبل أمر. وفي الحديث أن "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره". (٢)

فيظهر أن المراد في رأس مائة سنة مبدأ مائة سنة. فمقتضاه أن يكون العدُّ مِنْ يوم قال الرسول ذلك، إلا أن قرينة قوله: "مَنْ يجددُ لهذه الأمة أمر دينها" دلت على أن ذلك لا يكون ما دام رسول الله بين أظهر المسلمين؛ لأن وجود رسول الله وقاية للدين من الرثاثة، وسلامة له من التخلق؛ فلا يحتاج إلى التجديد. فيتعين أن يكون ابتداء العدِّ عَقِبَ وفاةِ الرسول؛ ليُحمل لفظُ الرأس على ما يناسبه من الأولية بحسب المقام؛ فإن أول كل شيء بحسبه.

ويُحتمل أن يُرادَ من رأس مائة مبدأُ مائةٍ بعد مائةِ سنةٍ تمضي بعد اليوم الذي صدر فيه هذا القولُ من الرسول - عليه السلام -، على حدِّ قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المروي في صحيح البخاري وسنن الترمذي من حديث الزهري عن سالم بن عبد الله وأبي بكر بن خيثمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى


(١) الصحيح أن أبا حامد الغزالي كان في القرن الخامس، فقد ولد سنة ٤٥٠ وتُوفِّيَ سنة ٥٠٥.
(٢) انظر في ذلك: صحيح البخاري، "كتاب المناقب"، الحديثان ٣٥٤٧ - ٣٥٤٨، ص ٥٩٦ - ٥٩٧؛ "كتاب اللباس"، الحديث ٥٩٠٠، ص ١٠٣٧؛ صحيح مسلم، "كتاب الفضائل"، الحديث ٢٣٤٧، ص ٩١٧؛ سنن الترمذي، "أبواب المَنَاقِب عَن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -"، الحديثان ٣٦٣٠ و ٣٦٣٢، ص ٨٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>