وكلُّ ذلك يوقنك بأن ما سلكه تاجُ الدين السبكي في تعيين المجددين للدين، وضبطه ذلك بموافقة وفاة من نَحَلَهُمْ صفةَ المجدد مبادئَ مرور المئين من السنين ابتداءً من يوم الهجرة، قد أخطأ فيه من وجهين عظيمين وإن كانا خفيين:
أحدهما إناطةُ ذلك بوقت وفاة مَنْ تُوُسِّم فيه صفةُ المجدد، مع أن مقتضى الحديث أن يكون عملُ المجدد منوطًا بوقت ظهوره أو انتشار أمره، وقوة عمله في تجديد الدين، كما يُفْصِحُ عنه لفظُ "يبعث" الواقعُ في الحديث الذي هو بمعنى يقيم الله، ولفظ "يجدد" المقتضي أن يكون معظمُ حياةِ المجدد في رأس القرن؛ إذ العمل من أثر الحياة لا من مقارنة الممات.
الوجه الثاني أنه جعل ابتداء عد رأس القرن من يوم الهجرة، وشأن العدِّ أن يكون من يوم الوعد بذلك؛ فإن اعتبارَ سنة الهجرة مبدأً للقرون الإسلامية أمرٌ اصطلح عليه المسلمون بعد وفاة رسول الله في خلافة عمر؛ فكيف يفسر به كلامٌ واقع قبل ذلك بسنين؟
[رأي ابن السبكي في نعت المجدد وزمنه]
قال تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي في كتاب طبقات الشافعية في مقدمته المسهبة وذكر حديث أبي هريرة في المجدد والحديث الذي فيه زيادة "من أهل بيتي"، وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال:"نظرت في سنة مائة فإذا هو رجل من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عمر بن عبد العزيز، ونظرت في رأس المائة الثانية، فإذا هو رجل من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: محمد بن إدريس الشافعي". ثم قال ابن السبكي:
"ولأجل ما في هذه الرواية الثانية من الزيادة (أي زيادة من أهل بيتي) لا أستطيع أن أتكلم في المئين بعد الثانية؛ فإنه لم يُذْكَر فيها أحد من آل النبي - عليه السلام -، ولكن هنا دقيقة ننبهك عليها، فنقول: لَمَّا لم نجد بعد المائة الثانية من أهل البيت مَنْ هو بهذه المثابة، ووجدنا جميع مَنْ قيل إنه المبعوث في رأس كل مائة سنة مِمَّنْ تمذهب بمذهب الشافعي وانقاد له، علمنا أنه (أي: الشافعي) الإمامُ المبعوث الذي استقر