فابن السبكي ظهر بمظهر التعصب المذهبي، وأتى بدليل مصنوع بيده، فكان هو واضعَ الدعوى وواضعَ الدليل، وقد غفل عن أن هذا يعطل عليه وجودَ مجدد في المائة الأُولَى. ثم إنا نرى مُعظم مَنْ عَدَّهم السبكي مجددين لا يزيد معظمُهم على أن كانوا مدونين مذهبَ الشافعي، وليس ذلك كافيًا في وصف المجدد، وأين معنى التجديد من معنى التدوين؟
[رأي مجد الدين ابن الأثير في تعيين المجددين]
وفِي أول نوازل الأقضية والشهادات من كتاب "المعيار المعرب" للشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي:
"وفِي جامع الأصول لفخر لدين المبارك بن عبد لكريم بن الأثير ما نصُّه: قد تكلم العلماءُ في تأويل هذا الحديث، كل واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس دينَهم كلَّ مائة سنة. وكأَنَّ كلَّ قائل قد مال إلى مذهبه، وحمل تأويل الحديث عليه. والأولَى أن يُحمل الحديثُ على العموم، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها"، لا يلزم منه أن يكون المبعوثُ على رأس المائة رجلًا واحدًا، وإنما قد يكون واحدًا، وقد يكون أكثر منه؛ فإن لفظة "مَنْ" تقع على الواحد والجمع. وكذلك لا يلزم منه أنه أراد بالمبعوث الفقهاءَ خاصة، كما ذهب إليه بعضُ العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان انتفاعًا عامًّا في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضًا كثير، مثل أولِي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء، والوُعَّاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد. فإن كلَّ قوم ينفعون بفنٍّ لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الدين حفظُ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي تُحقَنُ به الدماء، ويُتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذه وظيفة أولي الأمر.